أثر أعمال الشغب في أمريكا على السياسة والاقتصاد والدولار

حينما نريد الكتابة عن أثر أعمال الشغب في أمريكا على السياسة والاقتصاد والدولار ، فإننا يجب أن نسبقها بعرضٍ مختصر عن أثر هذه الأعمال على الأحزاب الأمريكية، للدخول بشكل أعمق في الأثر الاقتصادي لها.

حيث كتب أرنولد شوارزنيجر الممثل الأمريكي والحاكم الثامن والثلاثين لولاية كاليفورنا عن الحزب الجمهوري مقالة مطولة نوعا ما بعنوان “لماذا يجب على الجمهوريين إيقاف ترامب“، والتي تم نشرها عبر الكثير من وسائل الإعلام.

ودون الدخول في تفاصيل مقالة أرنولد، فإنه يكفي الإشارة إلى الصفات الثلاث التي نعت أرنولد بهم الرئيس ترامب، وهي:

“غبي ومجنون وشيطان”.

حيث يبدو وكأن ترامب أراد أن يختم دورته الحالية بمشهد درامي سينمائي ذي أبعاد طويلة المدى.

وقد أشار المحللون السياسيون إلى خطورة ذلك المشهد على كل من الحلم الأمريكي من جانب، والحزب الجمهوري.

إن الخطر الذي يهدد البيت الأمريكي الآن، بات أكثر تشعبا، وأكثر علاقة بمسألة العزلة السياسية للحزب الجمهوري.

أثر أعمال الشغب في أمريكا على السياسة والاقتصاد والدولار :

وصف جيم كريمر رجل الأعمال والمحلل السياسي، أعمال ترامب وأنصاره بالغوغائية، وأنها ستزيد من انقسام الحزب الجمهوري على نفسه.

وحذر من أن تصرفات ترامب، قادت الكثيرين من الجمهوريين الآخرين إلى سلوكيات سيئة جدا.

إن استمرار هذا المشهد الصاخب، وعدم تدخل العُقلاء من الجمهوريين، يعرض البيت الأمريكي بشكل أكبر إلى صورة أُحاديّة القطبية.

بعدما وصف الكثيرون المشهد السياسي الأمريكي لعقود طويلة، بأنه ثنائيّ القطبية، ما بين جمهوري قديم (1854) وديموقراطي أقدم (1828).

أما عن الأثر الاقتصادي لهذا المشهد، فإنه لن يكون ورديّا على المدى الطويل كما ظن الكثيرون عندما تم انتخاب بايدن.

حيث يرى المحللون بأن الأمر سيختلف كثيرا بعد سيطرة الديموقراطيين وتفردهم بالمشهد الأمريكي على مختلف الأصعدة.

وتحديدا بعد توقعات بأن يدفع الديموقراطيون نحو زيادة تحكم الفيدرالي بدفة المشهد الاقتصادي، دون تأثير لصوت مسموعٍ للجمهوريين.

كما وأننا قد نكون أمام سياسات مالية جامحة، وأكثر تهاونا في مسائل كثيرة، مثل: التحفيز وطباعة الأموال، وزيادة قدرة الفيدرالي في سن التشريعات المالية المتساهلة نوعا ما.

ويمكننا ملاحظة ذلك من اختيار جانيت يلين لتولي وزارة الخزانة، وهي رئيسة الفيدرالي السابقة التي قادت عملية انعاش الاقتصاد بعد الازمة المالية عام 2008.

إلّا أنه لا بد لنا من التذكير، بأن هذا المشهد لا يروق للجمهوريين، بل يجدونه وسيلة لإغراق الاقتصاد في مشاكل أكبر.

وعلى الرغم من رؤية الكثيرين لإيجابيات البرنامج الديموقراطي، من حيث دعم الاقتصاد المختلط، والاهتمام بالبيئة والمناخ، والأعمال النقابية.

إلا أن قوة التنوع الحزبي التي يمارسها كلا الحزبين على الآخر منذ عقود طويلة، مثلّت أمرين مهمين للمشهد الأمريكي.

حيث يرى السياسيون في التنوع الحزبي إثراءً للحريات، وزيادة في هامش الآراء وعمقها في إحداث الأثر على القوانين أو تخفيف حدتها.

أما فيما يتعلق بالرأي الآخر، والذي يشير إلى أن هناك إرادة أكبر من الحزبين، وأن هناك من يتحكم بالرأي والموقف الأمريكي _والذي يقترب من الدقة بشكل كبير_ فإن ذلك ليس المقصود في المقالة الحالية.

حيث أن المسألة ستتعلق بموقف الحزب الجمهوري أمام نفسه، وأمام العموم الأمريكي، وإتاحة الفرصة للديموقراطيين بشكل أكبر.

وهذا ما قد يدفع الاقتصاد الأمريكي إلى المهادنة، أو الليونة في مواقفه إلى حد كبير، الأمر الذي ترغب فيه جهات كثيرة أبرزها الصيني.

حيث أنه وعلى الرغم من عدم توقع إلغاء بايدن للعقوبات أو التعريفات التي فرضها ترامب سابقا على الصين.

إلّا أن المهادنة وعدم زيادة العقوبات أو تخفيف حدة اللهجة، لهو أمر سيصب في مصلحة الصين.

وذلك لإتاحة الفرصة أمام الصين لسد أوجه القصور على أصعدة شتى، أثناء سعيها لتحقيق حلم الصين كقوة مهيمنة.

بل وقد يُمثل فرصة لإعادة ترتيب الأوراق، وإعادة تموضع في موازين القوى، وانسحاب أطراف مؤثرة من المشهد الأمريكي تدريجيا.

أما عن أثر أعمال الشغب على الدولار الأمريكي بعد تفرد الديموقراطيين بالمشهد، فإن التوقعات ستكون وفقا للآتي:

سيستمر الدولار الأمريكي في معاناته حتى بعد تنصيب بايدن، وتحديدا بعد السيطرة على أعمال الشغب على المدى القصير.

فيما يرى المحللون  في السلوك الديموقراطي، سبيلا لدفع الفيدرالي للقيام بأمور ستؤدي إلى رفعه في المدى المتوسط.

أما على المدى الطويل فيبدو أنه لن يعود إلى سابق عهده قبل الانتهاء من شبح الجائحة الحالية بشكل شبه تام.

ويبقى رهان الجميع على عودة الدولار، معلّقا بعنق الانتهاء أو القضاء على فايروس كورونا، وعودة الاقتصاد إلى ما كان عليه.

وهو ما لن يتحقق كما تشير التحليلات قبل نهاية هذا العام في أفضل الحالات.

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية