كثيرا من نسمع عن دور الصين في التجارة العالمية وحجم إنتاجها، إلّا أن الحديث عن دورها في التمويل الدولي وإقراضها المال للدول غالبا ما تتم إحاطته بالغموض، وهو ما أشارت إليه دراسة صدرت بداية العام الحالي عن جامعة هارفرد، للحديث عن أزمة الديون العالمية وكيف أن الصين تخفي عن العالم أمراً مهما تقوم به منذ عقود ويسرّع من وتيرة سيطرتها على العالم في المستقبل.
وقد فسرت الدراسة هذا الغموض الذي يحيط بدور الصين في تمويل وإقراض الدول إلى نقص المعلومات المنشورة من الجانب الصيني.
حيث جمعت الدراسة معلومات واسعة أكدت على قيام الصين تقديم قروض للدول النامية بشكل أكبر من السابق.
وزعمت الدراسة بأن عدم الإبلاغ عن هذه القروض سيؤدي إلى خلق مشكلة ديون خفية مما سيتسبب في حدوث أزمة الديون العالمية لاحقا –بحسب الدراسة-.
وهذا يعني أن البلدان المدينة والمؤسسات الدولية على حد سواء لديها صورة غير كاملة عن مقدار الديون التي تدين بها البلدان في جميع أنحاء العالم للصين وتحت أي شروط.
أما عن حجم الديون التي قامت الصين بإقراضها من خلال الحكومة والشركات التابعة لها ، فقد أشارت الدراسة إلى أنه يبلغ 1.5 تريليون دولار امريكي على شكل قروض مباشرة وائتمانات تجارية لأكثر من 150 دولة حول العالم.
وهذا الرقم لا يشمل تريليون دولار قامت الصين بدفعها ثمنا للسندات الأمريكية.
وتشير الدراسة إلى أن هذا الحجم من الديون حوّل الصين إلى أكبر دائن رسمي في العالم.
لتتجاوز بذلك المقرضين الرسميين التقليديين مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو جميع الحكومات الدائنة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مجتمعة.
وتبرر الدراسة مسألة نقص المعلومات عن القروض التي تقدمها الصين للأمور التالية:
-
إن الإقراض الصيني يتم برعاية حكومية، وهو الأمر الذي يزيد من صعوبة رصد البيانات من قبل جامعي بيانات القروض مثل مودييز وبلومبيرغ وستنادرد آند بورز.
-
أن الصين ليست عضوًا في نادي باريس (مجموعة غير رسمية من الدول الدائنة) أو منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ، وكلاهما يجمع بيانات حول الإقراض من قبل الدائنين الرسميين.
وقد صرحت الدراسة بأنها قامت بجمع البيانات لعدة سنوات من مئات المصادر الأولية والثانوية، وأهمها:
-
المؤسسات الأكاديمية.
-
مراكز الفكر والوكالات الحكومية.
وهو ما مكّن الدراسة من الوصول إلى صورة شبه شاملة عن أرصدة الديون الخارجية الصينية.
حيث وصفت البيانات 2000 قرض وما يقرب من 3000 منحة من تأسيس جمهورية الصين الشعبية بين الأعوام 1949-2017.
وتتميز قروض الصين بأمرين مهمين جدا هما:
-
تتم قروض الصين وفقا لأسعار السوق العادية، وليس كما تقوم به مؤسسات الإقراض الدولية عبر أسعار الفوائد الميسرة.
-
أغلب قروض الصين إن لم تكن جميعها مضمونة، أي أنها قادرة على تحصيلها بشكل أو بآخر لتمثل بهذه الضمانات شروطا قد يتم استخدامها فيما بعد.
وقد قدرت الدراسة أن متوسط رصيد الدين المستحق للصين قد ارتفع من أقل من 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي للدولة المدينة في عام 2005 إلى أكثر من 15٪ في عام 2017.
وأهم هذه الدول التي تدين بقروض تصل إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للصين هي:
جيبوتي وتونغا وجزر المالديف والكونغو وقيرغيزستان وكمبوديا والنيجر ولاوس وزامبيا وساموا وفانواتو ومنغوليا.
أما عن خطورة إخفاء هذه البيانات فإنه يتمثل في الأمور الثلاثة التالية:
يزيد من صعوبة تصنيف الصين الائتماني اعتمادا على المخاطر المالية وأعباء السداد بسبب نقص المعلومات عن القروض الممنوحة من قبل الصين للغير.
إن عدم معرفة المؤسسات في الدول حجم القروض التي تدين بها هذه الدول للصين، يدفع إلى إساءة تسعير السندات السيادية للدولة.
وإليك المثال التالي لتفسير ما سبق الحديث عنه:
تخيل بأن دولة معينة تقوم بإصدار سندات سيادية، فإنها ستقوم بوضع أسعار جيدة دون أخذ عبء الدين الذي تدين به للصين ومخاطر هذه الديون الصينية على هذه الدولة بعين الاعتبار.
مما يجعل أسعار الفوائد على السندات غير حقيقية ولا تعكس المخاطر الحقيقية لمديونية الدولة.
أما أخيرا فإن عدم نشر المعلومات عن القروض المقدمة من الصين، تدفع المحللين والمتتبعين للشأن الاقتصادي للوقوع في مشكلة وضع التصور الصحيح لاقتصاديات الدول.
هذه الأمور الخطيرة – بحسب الدراسة- تدفع إلى أن الصين ستكون أكبر المستفيدين في تسيد المشهد الاقتصادي في حال حدوث أية أزمة تخص الديون العالمية.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية