الاقتصاد الفلسطيني بعد إنهاء إجراءات العزل

تأثر الاقتصاد الفلسطيني كغيره من الاقتصاديات المجاورة، بأحداث كورونا، وقد خيمت النظرة السلبية على الأرقام والمؤشرات، والتنبؤات الاقتصادية، التي تنبأت بها الأجهزة والهيئات الرسمية، فتنبأ جهاز الاحصاء الفلسطيني بتراجع الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 2.5 مليار دولار لعام 2020، وغيرها من الأرقام الأخرى، وفيما يلي محاولة لوصف الاقتصاد الفلسطيني بعد إنهاء إجراءات العزل. 

خسائر الاقتصاد الفلسطيني قد تصل إلى 2.5 مليار دولار

الاقتصاد الفلسطيني بعد إنهاء إجراءات العزل تدريجيا:

ها نحن نصل لمنتصف طريق هذا العام، وقد بدأ الاقتصاد الفلسطيني بالاستعداد لفتح أبواب أنشطته بشكل تدريجي، وخاصة بعد نهاية عطلة عيد الفطر السعيد، وتستحضر الذاكرة الآن عبارة رئيس الوزراء الياباني حينما قال: “عالم ما بعد كورونا سيكون مختلفا عما قبل الكورونا”، وهذه العبارة ستنطبق بشكل أو بآخر على الاقتصاد الفلسطيني بعد فتح الاقتصاد المُزمع بعد عطلة عيد الفطر، فالأنشطة التي تضررت بكورونا، كانت تتمحور حول أنشطة المطاعم والفنادق وأنشطة النقل، وتجارة التجزئة لبعض السلع، والتي قُدرت خسائرها بمليار دولار تقريبا، وهذا يدفع إلى أن هذه الأنشطة ستكون أمام احتمالين، الأولى وهي تكثيف الجهود لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الخسائر التي تكبدتها، أو أنها أمام واقع الإغلاق والتوجه نحو مجال ونشاط آخر، وقد تكون أنشطة الفنادق والأنشطة السياحية هي الأكثر تضررا، مقارنة بالمطاعم وأنشطة النقل التي ستجد العودة بشكل تدريجي ولكن بشروط وإجراءات سلامة وأمان جديدة، وهناك من أشار إلى أن قطاع الاستثمار في الأصول المعمرة مثل البناء والمساكن، سيكون من القطاعات المتضررة أيضا، نظرا للمخاوف على المدى القصير والمتوسط من موجة أخرى للفايروس.

بعض القطاعات الواعدة في الاقتصاد الفلسطيني بعد إنهاء إجراءات العزل

أما عن الأنشطة التي ستتقدم الواجهة في الانتعاشة الجديدة، فأهمها كما يأتي:

قطاع الاتصالات والتكنولوجيا: وهذا ليس بأمر غريب في ظل الهيمنة التكنولوجية السائدة في العالم، حيث سيحظى القطاع بالاهتمام الرسمي والشعبي، فمن حيث الاهتمام الرسمي فإن ذلك مُتوقع في ظل الاتجاه الحكومي العالمي نحو تبني التكنولوجي في أداء الأعمال والمهام، إضافة إلى المردود المادي لهذا القطاع على الاقتصاد ككل، أما على الصعيد الشعبي، فإن الاتجاه العالمي في أداء المهام يتجه نحو الاعتماد على التكنولوجيا بشكل أكبر من ذي قبل على صعيد المؤسسات والأفراد، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من الإقبال وبشكل نوعي ومتطور، مما سينعكس على نتائج قطاع الاتصالات والتكنولوجيا إيجابا، وبشكل لافت.

قطاع الصناعة والزراعة: وقد نجد من يخالف الرأي حول هذين القطاعين، إلا أنه يجدر الإشارة إلى مقولة رئيس وزراء كندا حينما قال: “إن المخاوف الصحية الآن ستصنع قيودا وإجراءات جديدة على الحدود بين البلاد”، وهو ما سيدفع الدول بشكل كبير إلى الاهتمام بما لديها من صناعة وزراعة، ومجلس التعاون الخليجي ليس ببعيد إذا ما تمت الإشارة إلى شبكة الأمان الغذائي الموحد لديها، والقطاع الزراعي في فلسطين ليس ببعيد عن اغتنام هذه الفرصة، بشرط وجود الدعم الحكومي والرغبة الشعبية في العودة إلى الحياة الزراعية الطبيعية، أما على صعيد الصناعة، فإن هذا القطاع يجب أن يستفيد من إجراءات التجارة الخارجية، والتي لن تكون بنفس السهولة إذا ما استمر الذعر والخوف من موجة أخرى للفايروس، وهو ما يدفع إلى حث الأنشطة الصناعية المختلفة لإعادة عجلة الانتاج والتي كانت في أوجها خلال مرحلة التسعينيات، ولمن يعترض على هذه النظرة الواعدة لهذا القطاع، يكفي أن أشير لكم بأن الشركات الطبية الفلسطينية قد رفعت من أرباحها خلال أزمة كورونا، وذلك بسبب الاعتماد المكثف على منتجاتها، حالها كحال كل شركات الأدوية المحلية في مختلف البلاد، وهذا يعطي أملاً كبيراً بدفع كافة الأنشطة الصناعية قُدما للأمام، إذا ما وجدت الدعم والحماية الكافيين.

القطاع المالي: إن القطاع المالي يعتبر من أكثر القطاعات التي تشهد انتعاشاً اقتصادياً بعد كل أزمة، ويكفي أن نستشهد بالأزمة المالية العالمية الماضية، التي وعلى الرغم من أنها سببت بإغلاق العديد من المؤسسات المالية، إلا أنها أيضا شهدت ولادة العديد من المؤسسات الأخرى، بسبب الحزم التحفيزية والسياسات النقدية التي تلجؤ الحكومات لسنّها، وذلك في سبيل إعادة إنعاش الاقتصاد، ولا شك بأن الاقتصاد الفلسطيني بعد إنهاء إجراءات العزل، سيكون فرصة أمام هذا القطاع، على الرغم من أن الاتحاد الاوروبي والبنك الدولي أشارا إلى أن أرباح البنوك بشكل خاص ستحتاج لسنوات لتعود للاستقرار.

قطاع السلع الأساسية: لقد أكدت أزمة كورونا على صلابة هذا القطاع، نظرا للحاجة المستمرة والدائمة، ويكفي أن نشير إلى خطة ألمانيا التحفيزية والتي اعتبرت الأفضل، حينما أشارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميريكل، إلى توجيه الدعم المباشر للسلع المستدامة في قطاع الأغذية، لما لهذا القطاع من أهمية في زيادة الوظائف واستيعاب البطالة، وتنشيط الاقتصاد، وترسيخ فكرة الاعتماد الذاتي في أوقات الأزمات.

إن ما سبق ليس مرهونا بوضعه على طاولة النقاش والحوار فحسب، بل إنه مرهون بمجريات الأحداث الخارجية التي تلقي بظلالها على ساحة الأحداث الداخلية بشكل شبه دائم، إلا أن وضع الاقتصاد الفلسطيني يتمتع بخصوصية كبيرة، تدفع بالإشارة إلى أن الأنظار ستتجه إلى عودة الاقتصاد الفلسطيني بعد إنهاء إجراءات العزل، سائلين الله تعالى السلامة للجميع.

للإطلاع التقارير الخاصة بالوضع الفلسطيني يمكنك متابعة التقارير المنشورة على قسم اقتصاد فلسطين

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية