الشركات وحقوق العاملين الضائعة

تسعى الشركات جاهدة إلى كسب المزيد من الأرباح بشكل سنوي، ويعمل في سبيل ذلك جيشٌ كبير من الموظفين والإداريين، ويجتهد الصغير والكبير على قدم وساق لتحقيق ذلك، بغض النظر عن المردود الشهري أو السنوي الذي يتقاضاه كلٌ منهم، إلا أنه وغالباً تذهب الكثير من المكافآت الكبيرة إلى كبار المديرين التنفيذيين والمساهمين، بحجة أن المهارة الفكرية والإدارية هي السبيل الناجح والأفضل لإدارة جموع الموظفين، إلى جانب أن المساهمين هم شركاء في المال ومصدرٌ للتمويل، وهو أمرٌ لا يمكن إنكاره، إلّا أن هذه الأمور لم ترتبط هذه المرة بنتائج أعمال الشركات في ظل جائحة كورونا، بل كانت الظاهرة الأكثر انتشاراً هي تسريح أعداد كبيرة من العمال، وكأنهم جزء من الخسارة فقط، وهو ما يدفع بالحديث عن الشركات وحقوق العاملين لديها.

ويشير ليو إي سترين على موقع Bloomberg- opinion إلى أنه وخلال جيلين متواصلين، ظلت أجور العمال في حالة من الركود، وهو ما أكد عليه توماس بيكيت في كتابه الشهير الرأسمال في القرن 21، وعلى الرغم من وجود مدونات لحوكمة الشركات والتي ظهرت إلى العلن بشكل كبير بعد الأزمة المالية العالمية 2008 والتي سعى واضعوها إلى تحقيق العدالة والشفافية وضمان حقوق المساهمين والأطراف الأخرى، إلا أن النتيجة أودت إلى ارتفاع معدلات عدم المساواة، وزيادة انعدام الأمن الاقتصادي وتزايد القلق من أن النظام الرأسمالي موجه ضد العاملين.

لقد أظهرت الجائحة الحالية Covid-19، أمراً بالغاً في الأهمية، وهي أن الشركات التي قضت فترة طويلة من النمو الاقتصادي وتحديدا منذ العام 2011، تمتعت بأرباح وأوضاع مالية جيدة بسبب استخدام الفوائد التي جنتها من التخفيضات الضريبية، ودفع أرباح ضخمة للمساهمين والمكافئات للمدراء التنفيذيين، على الرغم من كل ذلك تكشف بأن هذه الشكرات لم يكن لديها القدرة النقدية للتغلب على بضعة أسابيع من إغلاق الاقتصاد جرّاء كورونا كما يشير الكاتبان (سترين وكيربي سميث)، حيث أودى الإغلاق إلى قطع ملايين من العمال في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان الأكثر تضررا (أكثر من 85٪) من الوظائف الخاضعة لحالات التسريح المؤقت للعمال تدفع أقل من 40،000 دولار في السنة، وهو أمر يعيدنا إلى ضرورة تفكير الشركات في حقوق العاملين لديها بشكل أكبر.

أما عن الوضع العربي فإن حالات التسريح لم تكن بتلك الصورة التي كانت عليها في أمريكا وأوروبا، باستثناء قطاع الطيران الذي شهد أسوأ فترة تشغيلية لديه على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أنني أتحدث عن المستقبل القريب، وعن الثقة المتبادلة بين العاملين وبين الشركات، وإعادة النظر في حقوقهم، وذلك لتحقيق أمرين بالغين في الأهمية، الأول؛ وهو الحاجة الماسّة لهم في تحسين الاقتصاد المتهالك بعد مرور هذه الجائحة بإذن الله، وضرورة رجوعهم إلى العمل بنفسية جيّدة وحقوق مناسبة، أما الأمر الآخر فيتعلق بتحسين القدرة الشرائية لدى الطبقة الواسعة من العمال مما سيعود على الاقتصاد إيجابا بشكل مباشر مع ضرورة تحسين القوانين الخاصة بحماية المستهلك في هذه الحالة والحد من رفع الأسعار الذي يتزامن عادة مع رفع الأجور.

أنصحك بالاطلاع على مقالة بعنوان “ثمانية حقائق حول سوق العمل الأمريكي” للتعرف على الوضع الحالي للأعمال الأمريكية.

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية