العقوبات الاقتصادية على روسيا : الرابح من هذه الحرب الاقتصادية هو الخاسر

سارعت معظم الدول والجهات الرسمية إلى فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا ، لتندفع الشركات الواحدة تلو الأخرى إلى الخروج من السوق الروسي، وهو ما يدفعنا إلى التفكير بالشركات الرابحة والخاسرة ومدى عقلانية التفكير بالربح اساسا جرّاء هذه الحرب الضروس.

لقد أشار موقع Economist بأن معظم الشركات متعددة الجنسيات تستطيع العيش بدون عملاء روس، إلا أن الواقع الآن يشير إلى أن العيش بدون السلع الروسية أصعب بكثير.

حيث حظرت العقوبات الاقتصادية العديد من الصادرات الروسية وعلى رأسها النفط والصلب.

لتكافح الشركات الآن لاحتواء تداعيات العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، سواء الأوروبية أو التي ما زالت في السوق الروسي.

بينما قال جيفري سونينفيلد من جامعة ييل:

“خروج 400 شركة من السوق الروسي، هو قرار متسرع بسبب المخاطر القانونية ومخاطر السمعة للأسواق الأخرى”.

حيث يواجه المسؤولون التنفيذيون الآن تحديا مختلفا، يتعلق بسلاسل التوريد العالمية وما ستحدثه من تقلبات هائلة.

ولفهم هذا التحدي فيكفي إدراك أمرين اثنين هما:

أولا. اتساع نطاق السلع التي تنتجه كل من روسيا وأوكرانيا.

حيث تورد روسيا وأوكرانيا 26% من صادرات العالم من القمح، و16% من الذرة، و30% من الشعير، و80% من زيت عباد الشمس ودقيق بذور عباد الشمس.

كما توفر أوكرانيا ما يقرب من نصف نيون العالم المستخدم في صناعة الرقائق الدقيقة.

وتعتبر روسيا ثالث أكبر منتج للنفط في العالم ، وثاني أكبر منتج للغاز وأكبر مصدر للنيكل المهم لبطاريات السيارات.

كما وتعتبر مصدرا مهما للبلاديوم، المستخدم في أنظمة عوادم السيارات، ناهيك عن أن روسيا مصدر كبير للألمنيوم والحديد.

ثانيا. التقلبات غير العادية في مختلف الأسواق:

حيث تعرضت أسعار السلع الاساسية وعلى رأسها النفط والحديد لتقلبات كبيرة وحركات مضطربة غير مستقرة.

الرابح هو الخاسر رغم استفادة البعض!

وعلى الرغم من هذه العوامل السابقة، إلا أن هناك بعض الصناعات التي استفادت من الاضطرابات الحالية، وعلى رأسها:

  • صانعي الأسلحة.

  • شركات السلع وخاصة خارج روسيا، التي استفادت من ارتفاع الاسعار لتصريف مخزوناتها القديمة.

  • كما استفادت الشركات النفطية من الارتفاع السعرية، إلى جانب بعض شركات التعدين المدعومة بأسعار المعادن المرتفعة وتحديدا المتواجدة خارج روسيا؛ حيث ارتفعت أسعار أسهم شركة US Steel و Tata Steel ، ومقرهما في بيتسبرغ ومومباي.

وبغض النظر عن الأطراف السابقة التي يمكن أن تكون رابحة على المدى القصير، إلا أن الصناعات العالمية الأخرى تعبر عن حجم الخسارة الأكبر عن العقوبات الاقتصادية.

حيث تضررت شركات أخرى وتحديدا أوروبية بسبب ارتفاع اسعار النفط والغاز الطبيعي ونقص إمداداته.

مثلما حدث مع بعض مصنعي الصلب الأسبان اللذين أجبروا على خفض الإنتاج بسبب ارتفاع التكاليف.

كما تضررت القطاعات التي تقع في أعلى سلسلة القيمة مثل قطاع الطيران الذي يتعرض للعديد من المشاكل.

بينما تعرضت شركات التصنيع المختلفة لمشاكل كبيرة على صعيد حجم الانتاج الذي خفضته بسبب ارتفاع التكاليف وانخفاض الامدادات النفطية.

مثلما حدث مع شركة يارا انترناشونال النرويجية لصناعة الأسمدة التي خفضت من إنتاجها في مصنعين اوروبيين.

كما تواجه شركات صناعة السيارات مشاكل كبيرة، وعلى رأسها الشركات الأوروبية التي تعاني من نقص الاسلاك الكهربائية التي تقوم بجمع السيارات من خلالها.

حيث كانت الشركات الأوروبية تستورد أميالا من الأسلاك الكهربائية من موردين أوكرانيين.

أما على صعيد صناعة المعادن، والتي تشكل حجر الأساس لشركات صناعة السيارات، فيعتقد مورجان ستانلي أن أسعار النيكل ستزيد من تكاليف اسعار السيارات وتحديدا الكهربائية.

فيما تحدث غابرييل أدلر من بنك سيتي جروب قائلا:

“إن شركات صناعة السيارات نجحت حتى الآن في نقل تكاليفها إلى المستهلكين”.

حيث رفعت شركة تسلا من اسعار سياراتها هذا الشهر، وهو الأمر الذي لن يستمر استيعابه من قبل الزبائن في مرحلة ما.

أما شركات الأغذية، فإنها ستعاني من مشكلة الالتزام الاجتماعي بعدم رفع الأسعار، وازمة هوامش الربح التي ستتناقص إن آجلا أم عاجلا.

حيث يشير روبرت موسكو من بنك Credit Suisse:

“كان المستهلكين في العام الماضي على استعداد لتحمل الأطعمة ذات الأسعار المرتفعة، لكن صبرهم سيبدأ بالنفاذ”.

في النتيجة؛

فإن التفكير بمسألة الرابح من العقوبات المفروضة على روسيا، هي مسألة مؤقتة على مدى قصير للغاية.

فلو افترضنا تواجد رابح على صعيد صناعة معينة مثل النفط، فإن نفس المُنتج النفطي سيكون مستهلكا لصناعة أخرى لجأت إلى رفع أسعارها بسبب ارتفاع التكاليف النفطية التي قام الطرف الأول برفعها.

وليكون الجميع على موعد مع الخسارة بسبب الأمور التالية:

  • تكامل الدائرة الاقتصادية لا يتم إلا بجميع الأطراف.

  • انفتاح الجميع على الاقتصاد ونقص الاكتفاء الذاتي النسبي من قبل الدول.

  • حجم اعتماد العالم على اقتصاديات معينة لسلع مهمة بعينها، وهو ما تكشف مدى خطورته في بيئة مضطربة سياسية منذ عقود طويلة.

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية