انهيار الدولار الأمريكي هل هو أمر مستبعد أم قريب؟ وما هي فرص غيره في الهيمنة

يتحدث الكثيرون عن انهيار الدولار الأمريكي واحتضاره بشكل كبير منذ خمسة عقود تقريبا، إلّا أن هناك من يجد في هذه التوقعات أمراً مستبعدا لأسباب سنحاول عرضها في هذه المقالة دون تحيز قدر الإمكان، ودون انكار لتدهور مكانة الدولار بشكل أو بآخر ولو على صعيد الثقة فقط.


هل انتهى زمن الدولار الأمريكي في الاحتياطيات العالمية من العملات؟

خرج جاك دورسي المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي السابق لشركة تويتر، وقال:

“إن الدولار الأمريكي خسر موقعه ضمن عملات الاحتياط العالمية”.

ولكن هذا التصريح يبدو وكأنه غير واقعي بشكل كبير، وذلك أن الدولار ما زال العملة الأولى في الاحتياطيات رغم تراجع نسبته.

ويقصد بالعملة الاحتياطية، تلك العملات التي تحتفظ فيها الحكومات والبنوك المركزية والمؤسسات الخاصة لإجراء التجارة الدولية والمعاملات المالية.

ويهمين الدولار الأمريكي على هذه العملات، مبتعدا عن أقرب ملاحقيه مثل اليورو والجنيه الاسترليني والين الياباني والفرنك السويسري.

كما يؤكد أستاذ العلوم السياسية والشؤون العامة Mark Copelovitch، على قوة الدولار قائلا:

“في الواقع، أصبح وضع الدولار كعملة احتياطية عالمية مهيمنة أقوى من أي وقت مضى وأصبح أكثر رسوخًا في أعقاب الجائحة والأزمة الاقتصادية”.

وقد يبدو هذا التصريح متعارضا مع الآراء والتحليلات التي تؤكد على احتضار الدولار واقترابه من الزوال.

حيث يرى مؤيدو نظرية الانهيار –والتي لا نستبعدها كنظرية، ولكننا نستبعد سرعة حدوثها– أن التضخم الذي تعيشه الولايات المتحدة ستسرع من زوال قوة دولارها.

ولكن التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوياته منذ عام 1982، لم يمنع عن الدولار صفة الهيمنة على الاحتياطيات حتى الآن.

حيث أن الدولار والذي تراجعت نسبته من من 62% إلى 59% من الاحتياطيات، فإنه ما زال مبتعدا عن أقرب ملاحقيه، على النحو التالي:

اليورو يمثل 20% تقريبا من الاحتياطيات، ويقع في المركز الثاني.

بينما يبتعد الدولار عن الين الياباني، ثالث أكبر العملات، والذي لا يمثل سوى 5%.

أما اليوان الصيني والذي يبدو أنه العملة الأمل لدى مؤيدي نظرية الزوار، فإنه لا يمثل سوى 2%.

كما يبرز تقرير بنك التسويات الدولية لعام 2020 هيمنة الدولار عبر عدة أبعاد، وأهمها:

أولا. ما يقرب من نصف القروض المصرفية عبر الحدود مقومة بالدولار.

بينما أن ثلث هذه القروض مقومة باليورو، مع قروض بعملات أخرى تمثل أقل من 20%.

ثانيا. ما يقرب من 90% من تداول العملات الأجنبية ينطوي على الدولار في جانب واحد من الصفقة.

وهذه الأبعاد المباشرة تعني أن الاقتصاد العالمي يشبه إلى حد كبير العربة التي تعمل بوقود متمثل بالدولار، دون استبعاد المحاولات الجادة جدا لإحداث تغيير في هذا الواقع.

انهيار الدولار الأمريكي ليس فكرة جديدة!

لا يعتبر انهيار الدولار الأمريكي أمرا جديدا، فتوقعات انهياره تعود إلى عام 1971، حينما انهى نيكسون ربط الدولار بالذهب.

بل إن التكهنات والتوقعات بزوال الدولار ازدادت في الثمانينات والتسعينيات حينما كانت التوقعات تشير إلى الين الياباني كقائد قادم.

وذلك قبل وقوع اليابان في العقد الضائع الذي فوت على اليابان فرصة اقتصادية استثنائية، رغم الاتهامات التي طالت أمريكا في التأثير سلبا على الاقتصاد الياباني.

وعادت الأمور لتكرر بشكل كبير خلال هذه السنوات، خاصة في ظل أمرين هما:

  • انتشار العملات المشفرة، والتي تشهد تراجعات هائلة لأسباب أو لأخرى.

  • العملقة الصينية التي تنامت بشكل كبير بعد عام 2008، وفرصة العملة الصينية في المنافسة.

هل ستؤثر الحرب الروسية على هيمنة الدولار؟

يشير مؤيدو زوال الدولار إلى الحرب الروسية، على أنها الفيصل في مسألة انهاء هيمنة الدولار.

ولكن الاقتصادي ديفيد بيكوورث، يرى أن الحرب تعزز من مركزية الدولار، في ظل الضربة الاقتصادية التي يتعرض لها اليورو.

أما مارك سوبيل المسؤول الكبير السابق في وزارة الخزانة الامريكية، فيتحدث عن متانة هيمنة الدولار، قائلا:

“لا يزال الدولار قويا، ليس بسبب قوة الاقتصاد الامريكي، وانما بسبب الاسواق المالية الخاصة العميقة والسائلة التي تسارع في حماية أصولها المقومة بالدولار”.

كما قال عالم الاقتصاد السياسي الدولي دانيال ماكدويل:

“ببساطة، يعتمد الناس على الدولار، لأن أمريكا مستعدة أكثر من الاتحاد الاوروبي والصين أو اليابان على الاقراض في الأزمات المالية العالمية”.

وهو الأمر الذي يمكن نقده على المدى الطويل، وذلك لأسباب قدرة امريكا في الاقراض، ممثلة بفرط قدرتها على الطباعة بشكل سيؤذيها مستقبلا.

بينما تحدث عالما السياسة آشنا خانا و دبليو كيندريد وينكوف عن هيمنة الدولار، وقالا:

“إن هيمنة الدولار الدائمة ترجع إلى بنية الشبكة الهرمية الراسخة بعمق في النظام النقدي والمالي العالمي”.

في النتيجة؛

فإن هذه الأسباب الماضية، لا تعطي للدولار ميزة مطلقة طويلة المدى في الهيمنة على العملات الأخرى، ولكنها تفسر أمرين:

  • يتعلق الأول بتفسير استمرار الدولار بالهيمنة رغم تكهنات سقوطه منذ خمسين عاما.

  • بينما يتعلق التفسير الثاني بتفسير وضع العملات الأخرى التي يجب أن تمتلك مزايا الدولار في الاقتصاد الدولي.

وإذا تحدثنا عن أقرب العملات إلى الدولار بالاستناد إلى التفسير الثاني، فإن اليوان الصيني يسعى جاهدا إلى تحقيق ذلك.

حيث تقوم الصين بجهود جبارة لترسيخ عملتها ضمن منظومة المدفوعات الدولية، وآخر هذه الجهود كان إعلان بنك الشعب الصيني (المركزي) بإجراء ترتيبات التسوية بالعملة الصينية بالتعاون مع بنك التسوية الدولي.

إلا أن الصين ما زالت تفتقر إلى الأسواق المالية الخاصة والعميقة التي تربط مصير أصولها بشكل فعلي بالعملة الصينية.


تم الاعتماد في إعداد هذه المقالة على المواقع التالية:

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية