الامتحان الخطير! هل سينجح رفع أسعار الفائدة في انقاذ الاقتصاد الأمريكي وعملته؟

يؤكد معظمُ القائمين على الاقتصاد الأمريكي، على اقترابهم من إنهاء برامج التحفيز الأمريكية التي انطلقت منذ الربع الأول من عام 2020، وذلك بالإعلان شبه المؤكد عن البدء في رفع أسعار الفائدة عدة مرّات خلال العام القادم، وتقليص مشتريات الحكومة من السندات الحكومية، إلّا أنه وعلى الرغم من كلِّ ذلك، فإن الظروف المالية الأمريكية ستبقى ميسرة بشكل لم يسبق له مثيل في الاقتصاد الأمريكي المعاصر، وهو ما أشارت إليه وكالة الفاينانشال تايمز.


يشيرُ الكثيرون، ونعتقد معهم، أن برامج التحفيز الأمريكية الهائلة، كانت أحد أبرز مسببات ارتفاع الأسعار، أو ارتفاع معدلات التضخم.

فالكمية النقدية التي تم ضخها، والتي تساوي 25% تقريبا من حجم الاقتصاد الأمريكي (تجاوزت برامج التحفيز 5 تريليونات دولار)، كانت سبباً في زيادة القدرة الشرائية، وهو ما أدى إلى تخطي منحنى الطلب لمنحنى العرض، خاصّة في ظل القيود الصحية الصعبة التي صنعت قيودا على الانتاج.

فانخفض حجم المعروض في الأسواق، شيئا فشيئا، مع كل متغير جديد للفايروس، وما ترتب عليه من أحداث اقتصادية غير مرغوبة.

إلّا أن الحكومات وعلى رأسها الحكومة الأمريكية، تسرع الآن الخُطى نحو تشديد السياسات النقدية، لعلاج الأسعار المرتفعة، عبر:

  • فاشار الفيدرالي إلى بدء رفع أسعار الفائدة ابتداءً من الربع الأول من العام المقبل (من مستوياتها الحالية 0.25%).

  • كما وتحدث الاحتياطي عن تقليص حجم المشتريات من السندات الحكومية إلى النصف (60 مليار دولار شهريا).

وهو ما اعتبرته الحكومة والمحللون أنه بداية لفرض سياسة تشددية قادمة.

ولكن خبراء الاقتصاد لدى جولدمان ساكس قاموا بإنتاج مؤشرٍ متابعٍ عن كثب لدراسة وضع الاقتصاد الأمريكي، من خلال التركيز على:

  • التحولات والحركات في سوق الأسهم الأمريكية.

  • تكاليف الاقتراض من قبل الشركات.

  • التحركات في الدولار والتمويل.

  • تكاليف الحكومة الأمريكية التي ما زالت تتجه نحو الارتفاع.

فتوصلوا إلى نتيجة مفادها، أن الظروف المالية الاقتصادية الأمريكية ستبقى ميسرة بشكل لم يسبق له مثيل حتى مع أفاد به المسؤولون الأمريكيون من بدء التشديد.

حيث قال الخبراء أن الأسهم الأمريكية ما زالت تشهد انتعاشا قياسيا لم يسبق له مثيل حتى الآن رغم اعلان الفيدرالي.

(ملاحظة: تتعرض الأسواق المالية غالبا لتقلبات وتراجعات بسبب توجّه المستثمرين نحو السندات والودائع في حال رفع أسعار الفوائد، أو الإعلان عن رفعها، وهو ما لم يحدث حتى الآن).

كما ويشير الخبراء إلى أمرٍ آخر غاية في الأهمية، وهوما يتعلق بالائتمان والسيولة.

فالشركات التي تريد إدراج أسهمها، أو ترغب في الحصول على الائتمان، فإنها ما زالت وحتى اللحظة تحصل على ذلك بسهولة شديدة.

وهذا يعني، من وجهة نظرنا، أن السيولة المتواجدة في الأسواق، ستتسبب في إبقاء مستويات الأسعار عند حدودها القصوى، حتى مع التدخل الحكومي.

حيث قالت لورا روزنر، وهي كبيرة الاقتصاديين في MackroPolicy:

“لتخفيض معدلات التضخم أو إبطاء ارتفاعها، فإننا نحتاج إلى ظروف مالية معينة”

وإن دققنا في هذا التصريح، فإننا سنلحظ اعترافا صريحا وعلنيّا بأن الظروف المالية الأمريكية ستدفع نحو تأجيل علاج التضخم.

كما ويمكننا التأكيد على ما يقوله الخبراء، وما نراه معهم، وذلك من خلال الإشارة إلى حساسية الاحتياطي الفيدرالي.

حيث يعتبر الاحتياطي الفيدرالي شديد الحساسية تجاه الظروف المالية، خاصة وأنه يقوم بتكييف سياساته مع أي تصريح أو توقع أو ظرف.

ونحن هنا أمام أحد أبرز تصريحات بنك جولدمان ساكس نفسه، وذلك حينما خفَّض من توقعاته لإمكانية تحسن نمو الاقتصاد الأمريكي عام 2022.

خلاصة توقعات الخبراء وما نراه معهم؛ حول التحدي الأكبر الذي سيواجهه الاقتصاد الأمريكي:

تشير معطيات الظروف المالية الأمريكية، بأنها ستستمر خلال الفترات القادمة، بسبب ما عَلِقَ بها من إجراءات خلال العامين الماضيين.

وأن هذه المعطيات، تدفع الفيدرالي إلى التفكير بنهج مختلف وحديث وسريع.

حيث يجب على الاحتياطي اليوم، أن يعالج العديد من الأمور، وأهمها:

  • ظروف السوق المالي الأمريكي.

  • أوضاع الائتمان والتمويل والاستثمار.

  • علاج أو التفكير في علاج سلاسل التوريد، لدفع عجلة الانتاج ودفع منحنى العرض قُدما بدلا من التركيز على منحنى الطلب.

ماذا وإلّا فإن قراءات التضخم، والتي يمكن أن تبقى مرتفعة، ستتسبب في:

  • هزة عنيفة للأسواق المالية، خاصة وأن الأصول في مستويات سعرية قياسية.

  • كما ويمكّن أن تمثل هزّة هي الأخرى لاستقرار عملته، والتي يبدو بأنها ستبقى في حالة من التقلبات أيضا خلال العام المقبل.

في النتيجة؛ 

فإن الاقتصاد الأمريكي يخوض غمار امتحان صعب ومصيري لإثبات قدرته على معالجة التضخم الأعلى منذ أربعين عاما، خلال القابل من الأيام والمواعيد.

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية