ليس اقتصاد جديد، وإنما ظروف اقتصاد عالمي جديد بدأت الآن، استعدوا!

لقد كانت بداية النصف الثاني من العام الجاري، بداية صعبة وصادمة للكثيرين ممن كانوا يظنون، مخطئين، بأن البنوك المركزية كانت لا تدرك عواقب رفعها للفائدة في كل مرة، ولكن الفيدرالي والمركزي الأوروبي ومعه العديد من البنوك المركزية العالمية، قالت كلمتها وبصراحة، وكأنها تضرب بعرض الحائط كل الآراء التي لا تعبر عن أهواء صُنّاع السياسة النقدية الذين لا يدينون بأي دين، سوى دين المادة وتحقيق أكبر قدر من الربح والكفاءة لاقتصاداتهم، وبشكل تولد معه ظروف اقتصصاد عالمي جديد الآن.

فعلى الصعيد الأميركي، تحدث الفيدراليون وعلى رأسهم رئيسُهم، أن المعركة ما زالت قائمة ضد التضخم.

فقال:

“التضخم ما زال عنيدا، وإن كان قد انخفض بسرعة مميزة، ولكن المعركة ما زالت قائمة”.

كما قال أيضا:

“يبدو أن رفعا للفائدة سيأتي مرتين هذا العام.

وبذلك فإن الفوائد على الدولار الأمريكي ستصل إلى أعلى مستوياتها بشكل يذكرنا بما جرى قبل 17 عاما، قبيل الأزمة المالية العالمية.

وهذا كان سيدعم أمراً فإنه سيدعم العملة الأميركية، التي نستمع في كل يوم من أيامنا عن قوة فضائية مفاجئة ستحوم حول الدولار وستخنقه.

والحقيقة، كل الحقيقة، أن كل العالم، بشركاته ومستهلكيه، بل ومعهم كل اصحاب المصالح، يدينون في جيوبهم للدولار بالكثير ويرتبطون معه ارتباطا كاثوليكيا.

أما عن اسواق الأسهم، فإنها وإن تحسنت فإن  من اسواق المال الأميركية تحتل 58% من حجم الاسواق المالية العالمية.

وهذا يعني أن تحسن الأسهم سيدفع الجميع نحو الاحتياج للسيولة، وبالتالي الاندفاع لعملة هذه الاسواق، والتي ستكون الدولار الأميركي، ولا اعتقد بأنها ستكون الريال البرازيلي، مثلا.

إذن فالدولار الأميركي وأصدقاؤه، قاموا بفرض، وسيقومون أيضا، بفرض كل المعطيات، وهم متلزمون الصمت، إزاء كل الثرثرة التي تجري منذ عقود وعقود، بأن الدولار الأميركي سينتهي قريبا.

نتحرك الآن إلى المركزي الأوروبي، والذي ما زال يدير معركة كبيرة ضد التضخم.

خاصة بعدما قال مركز إيفو للأبحاث بأن كبير الاقتصاد الأوروبي، وهو الاقتصاد الألماني سيعاني من التضخم والركود.

أما الاقتصاد الأوروبي ككل، فما زال أيضا يعاني من تضخم عنيد، ويبدو أن الفوائد ما زالت في بداية رحلتها.

ولكن اليورو سيكون على قدر كبير من المعاناة، فالاقتصاد الذي يعبر اليورو عنه، متهالك وضعيف.

حيث أثبتت أوروبا مدى تهالكها خلال الأزمة الروسية، وكيف كشفت عن عورة اعتمادها على الآخرين.

ونبقى في نفس القارة، ولكن مع الاقتصاد البريطاني، الذي رفع الفوائد لأعلى مستوياتها منذ الأزمة المالية.

حيث قام برفع الفوائد بنصف نقطة مئوية، لتصل الفوائد بذلك إلى 5%، وهو ما سيمثل نذير شؤم كما سأشير في النهاية.

وعلى هامش الاقتصاد العالمي، دعونا نتحدث عن الاقتصاد الناشئ التركي، الذي رضخ أخيرا بعد عامين وأكثر.

حيث تم رفع الفوائد بمقدار الضعف تقريبا، ورفعها لمستويات 15% لمكافحة التضخم الذي يقترب من 40%.

بعد كل هذه المعطيات، فإننا لن نكون مستغربين، بأن الدولار الأميركي وإن انخفض قليلا، فإنه سيعود للتألق.

ليس لقوة الاقتصاد الأميركي فحسب، بل ولأنه ما زال الاقتصاد الذي تنقاد نحوه تقريبا كل الرقاب.

أما عن المستويات الطبيعية للدولار، فإن الحكومة الاميركية ومعها الشركات، إن لم تكن قبلها، ستبقيه عند مستويات غير ضارة.

حيث لا دولار قوي فيؤذي المصدرين، ولا ضعيف يدمر المستوردين.

أما الطامة الكبرى، والأهم من مسألة سعر صرف عملة ما، هي أن كل ما تقدم، سينذر باقتصاد ذي معطيات جديدة.

الغلاء ثم الغلاء، ثم الغلاء السعري، فكل التكاليف الاقتراضية التي تقوم بها البنوك الآن، سنتحملها جميعا.

ليس لشيء، سوى ما تمثله هذه الدول السابق ذكرها للاقتصاد العالمي
فأميركا تعد مصنع القرارات المالية، إن شئنا أو شئنا أيضا، والمانيا، هي الزعيم الاوروبي المترنح.

وأوروبا ما زالت شريكا اقتصاديا مهما للشرق الأوسط، أما تركيا فهي تركيا بالنسبة لنا بشكل او بآخر.

وسأشير في مقالات أخرى عن التأثيرات المرتقبة لما يجري في الوقت الحالي مع ظروف اقتصاد عالمي جديد سنراها معا.

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية