مسار الدولار اثناء الركود الاقتصادي : سيناريوهان متوقعان إذا حدث الركود

يبدو أن مخاوف الركود في الولايات المتحدة بشكل خاص ستلقي بظلالها السيئة على مختلف اقتصاديات العالم، وذلك بعد تصريح رئيس الفيدرالي واعترافه بإمكانية حدوث ركود في ظل ما يتم القيام به من تشديد السياسة النقدية لمكافحة التضخم، وفيما يلي تصور خاص بكواليس المال فيما يخص مسار الدولار اثناء الركود الاقتصادي المحتمل.

وقبل الدخول في التوقعات ورسم المسارات المحتملة للدولار الأمريكي، فلابد من التذكير بأن الركود الاقتصادي يعبر عن حالة من التراجع الاقتصادي الذي يستمر لأكثر من شهر.

الركود الاقتصادي بات أمرا حتميا وفقا لأهم التصريحات الرسمية الأمريكية

الركود الاقتصادي أصبح أمراً حتمياً:

وقد قالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني والتي خفضت توقعات النمو العالمي لهذا العام إلى 2.9٪ في يونيو من 3.5٪ في مارس:

“إن آفاق الاقتصاد الكلي العالمي قد تدهورت بشكل جوهري منذ نهاية عام 2021”.

كما قالت في تقرير صدر هذا الأسبوع:

“التضخم المصحوب بالركود، أصبح موضوع المخاطرة السائد منذ أواخر الربع الأول من عام 2022”

بينما حذرت شركة الاستثمار الأمريكية بيمكو من خطر حدوث الركود، في ظل تحركات البنوك المركزية العالمية بتشديد سياساتها النقدية”.

الركود التضخمي وهي الحالة التي حدثت في ثمانينات القرن الماضي هي الشبح القادم المخيم للاقتصاد

سيناريوهات مسار الدولار اثناء الركود الاقتصادي:

سنقدم فيما يلي أحد السيناريوهات المحتملة الحدوث للدولار والعملات الأخرى إذا ما حدث الركود المتوقع.

وقبل البدء في عرض هذه السيناريوهات، فإنه لابد من الاعتراف بأنه لا توجد قاعدة صارمة وسريعة لإعطاء تصور واضح ومحدد لقيمة العملة خلال فترة الركود.

إلا أن المحللين يشيرون إلى احتمالية انخفاض العملة بشكل عام أثناء الركود، لأن فرص الاستثمار تصبح أقل جاذبية في مختلف الاقتصاديات.

وسنقوم بالاستناد إلى الركود الاقتصادي الذي حدث إبان الأزمة المالية العالمية عام 2008، كركيزة في عرض هذا السيناريوهات الخاصة بالعملة في حالة الركود الاقتصادي.

حيث اصطدم العالم بالركود الاقتصادي عام 2008 بسبب أزمة مالية عالمية حقيقية، ليستمر الركود حتى عام 2012.

وقد قامت البنوك المركزية بتيسير السياسات النقدية بشكل كبير، بحيث خفض الفيدرالي أسعار الفائدة من 5.26% إلى حدود دنيا وصلت إلى صفر بالمئة.

كما قامت مختلف الاقتصادات بضخ التريليونات من الأموال بهدف تنشيط الاقتصاد العالمي بشكل كبير.

بينما وفي حالتنا اليوم، فإن الركود الاقتصادي سيكون نتيجة مباشرة لعدة عوامل أهمها:

  • التوترات التجارية بعد الأزمة الصحية وما ترتب عليها من اغلاقات مستمرة وتحديدا في الصين.

  • الحرب الروسية الأوكرانية وما ترتب عليها من اضطرابات في سلاسل التوريد.

  • السياسات النقدية التي بدأت بالتشديد بشكل كبير بعد عامين من السياسات النقدية التيسيرية.

وهذا يعني أن علاج الركود الاقتصادي في هذه الحالة، سيكون بحاجة إلى أكثر مما حدث ما بعد عام 2008.

أي أنه يجب القيام بالأمور الآتية:

  • الاعتراف بأن مشكلة الركود ستحتاج إلى سنوات، وذلك حتى يتم علاج التضخم أو تعديل رقم التضخم المقبول مثلما حدث في الثمانيننات.

  • علاج الملفات السياسية بشكل سلس وسلمي، لعلاج مشاكل اضطرابات سلاسل التوريد.

  • المساعدة في علاج الملف الصحي، لدفع الصين نحو فتح أبوابها وعلاج الاضطرابات التجارية.

وفيما يأتي السيناريوهان المتوقعان لمسار الدولار الأمريكي في حال حدث الركود الاقتصادي:

السيناريو الأول. الركود الاقتصادي في أمريكا أعلى منه في الاقتصاديات الأخرى:

بشكل عام وبالمقارنة بما حدث أثناء الركود الاقتصادي عام 2008، فإن مؤشر الدولار سيتعرض لانخفاض في بداية الركود.

بينما سيتقلب ما بين الارتفاع والانخفاض تبعا لحجم الركود الاقتصادي الأمريكي مقارنة بالركود الذي سيحدث لدى الدول الأخرى.

حيث أنه وفي حال كان الركود الاقتصادي الأمريكي أكثر عمقا من غيرها، فإن الحكومة الأمريكية ستلجؤ إلى تخفيض اسعار الفائدة بشكل أكبر من الدول الأخرى.

وبذلك ستنخفض جاذبية الدولار نظرا للعائد المنخفض الخاص بها مقارنة بعوائد العملات الأخرى، التي ستقوم بتخفيض الفائدة بشكل أقل نظرا لمستويات الركود الأقل لديها مقارنة بالركود الأمريكي وفقا لهذا السيناريو.

وانخفاض الفائدة بشكل كبير على الدولار، سيجعل الاقتصاد الأمريكي أقل جاذبية بالنسبة للمستثمرين لتوفير المال.

وهو ما سيدفع رؤوس الأموال إلى الخارج وتحديدا الدول ذات الفائدة المرتفعة.

إلّا أن هذا السيناريو، وفقا لتحليل كواليس المال، قد يكون مستبعدا في حالتنا هذه، نظرا لأن للوضع الاقتصادي الخاص بدول العملات الأخرى وتحديدا الرئيسية، وهو ما سينقلنا إلى السيناريو الثاني.

السيناريو الثاني. الركود الاقتصادي الأمريكي أقل حدة من الركود الاقتصادي لدى الدول الأخرى:

يفترض هذا السيناريو أن الركود الاقتصادي الأمريكي أقل من غيره مما سيكون لدى الدول الأخرى.

حيث سيكون مؤشر الدولار متقلبا بعد انقضاء اولى فترات الركود، ليتجه بعد ذلك نحو الارتفاع أمام العملات الأخرى التي ستكون دولها تعاني من ركود اعلى من الركود الأمريكي.

وهذا السيناريو سيكون ووفقا للظروف الحالية، السيناريو المتوقع، وذلك لسبب رئيسي يتعلق بالظروف الأوروبية.

حيث تعاني القارة الأوروبية والاتحاد الاوروبي بشكل خاص من مشاكل تضخمية مرتفعة؛ نظرا لتأثرها المباشر بالحرب الروسية، وما ترتب عليه من ارتفاع في غلاء المعيشة بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، وما ترتب على هذه العقوبات من قطع في امدادات الطاقة الروسية عن القارة العجوز.

بل إنه ووفقا للظروف الحالية ضمن هذا السيناريو، فإن الدولار سيكون عرضة للارتفاع وتحديدا على المدى القصير إلى المتوسط.

وذلك لأن الدولار ما زال:

  • عملة احتياط رئيسية بالنسبة للنقد الأجنبي رغم انخفاض نسبتها.

  • كما ان الدولار ما زال يعتبر عملة التسعير الرئيسية للذهب والنفط حتى وقتنا الحالي.

وهذان سببان من الأسباب الحالية التي تجعل الدولار عملة ذات حظ اكبر على صعيد الارتفاع من العملات الأخرى في حالة حدوث الركود وفقا للسيناريو الثاني.

في النتيجة؛

يلاحظ أن مختلف العملات ستواجه انخفاضات حادة في بداية الركود وتحديدا بسبب عمليات المضاربة المضطربة، على أن تأخذ العملات مسارات مختلفة فيما بعد وذلك تبعا لحجم الركود في كل دولة.

وقد رسمنا سيناريوهين اثنين فيما يخص مسار الدولار أثناء الركود الاقتصادي المحتمل.

حيث كان الأول لصالح العملات الأخرى مقابل الدولار، نظرا لأن الركود الاقتصادي الأمريكي سيكون اكثر عمقا من غيره.

بينما سيرتفع الدولار مقابل العملات الاخرى في السيناريو الثاني، نظرا لتوقع أن يكون الركود الأمريكي أقل حدة من غيره.

ووفقا للمعطيات الحالية، فقد تم ترجيح السيناريو الثاني، نظرا للتصرف الأمريكي الأسرع لمعالجة التضخم مقارنة بالدول الأخرى.

كما تم ترجيح السيناريو الثاني نظرا للأوضاع الاقتصادية الصعبة جدا والتي تعاني منها القارة العجوز بسبب الحرب الروسية وتبعاتها.

وبناء على ذلك فإن الدولار سينخفض في الوقت الذي سيبدأ فيه الركود الاقتصادي بشكل رسمي.

فيما سيعود الدولار إلى الارتفاع بعد انقضاء بعض الشهور على الركود الاقتصادي، وفقا للسيناريو الثاني.

ولكن مع ضرورة التذكير بأن هذه السيناريوهات تم وضعها في ظل المعطيات حتى كتابة هذه المقالة.


المصادر التي تم الاستناد إليها في إعداد هذه المقال:

economicshelp

reuters

statistics

كواليس المال: اعتراف بالركود

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية