مستقبل اقتصاد افغانستان بعد طالبان : حقائق مذهلة وآراء متضاربة

تدور الأحداث العالمية اليوم حول فلك الأراضي الأفغانية وذلك بعد عودة سيطرة حركة طالبان على أغلب البلاد بُعيد الخروج الأمريكي في عهد بايدن، وفي خِضّم هذا الحدث العالمي المهم، يبرز سؤال جوهري ومهم حول مستقبل اقتصاد افغانستان بعد طالبان.

وقد نشرت صحيفة BBC البريطانية مقالا مفصلا تتحدث فيه عن اقتصاد افغانستان وما الذي سيحدث للبلاد بناء على واقعها خلال العقدين الماضيين.

حيث أكدت الصحيفة على أن الاقتصاد الأفغاني يعتبر اقتصادا هشا مبنيا ومعتمدا على المساعدات الدولية، مستندة في ذلك على النظرة العامة للبنك الدولي.

وقد نشر البنك الدولي نظرته العامة عن المستقبل الاقتصادي لأفغانستان قبل سيطرة حركة طالبان بعدة أشهر.

والذي استندت عليه الصحيفة في وصف قتامة الآفاق الاقتصادية الأفغانية الآن، خاصة في ظل إمكانية سحب المساعدات المالية.

إلا أن هذا التوقع السوداوي يجب أن تتم إعادة التفكير فيه خاصة مع المتغيرات الجديدة داخليا وخارجيا.

وسنطرح وجهتي نظر مختلفتين للتفكير في مستقبل اقتصاد افغانستان في ظل حركة طالبان.

أولا. النظرة المتفائلة:

حيث أبدت الحركة استعدادها لتغير ديناميكي في طريقة تسييرها للأمور من جانب، واستعدادا للتعاون الدولي والإقليمي من جانب آخر.

ناهيك عن مسألة إمكانية انحياز دول عُظمى مثل الصين وغيرها من الدول المجاورة بسبب ما تمتلكه البلاد من خيرات.

حيث تمتلك أفغانستان موارد معدنية نادرة كبيرة غير مستغلة بشكل كبير، بسبب سوء الأوضاع الأمنية والسياسية خلال العشرين عاما المنصرمة.

وهذا يعني إمكانية استغلال البلاد لمواردها بالتعاون مع الجهات الخارجية، وذلك كبديل استراتيجي للمساعدات الدولية وشروطها المجحفة.

ثانيا. النظرة المتشائمة:

بينما تشير وجهة النظر المتشائمة إلى ضرورة إمعان النظر في واقع الاقتصاد المتهالك المعتمد على المساعدات التي سيتم سحبها الآن.

حيث تشير أرقام البنك الدولي إلى أن أفغانستان تعتمد بشكل مذهل على المساعدات.

خاصة وأن مساعدات التنمية التي تم تقديمها للبلاد في عام 2019 بلغت 22% من الدخل القومي.

وهذا رقم مرتفع، لكنه أقل بكثير من نسبة 49٪ التي أبلغ عنها البنك الدولي قبل 10 سنوات.

كما يؤكد المؤيدون لهذه النظرة على موقفهم من خلال ما قاله وزير الخارجية الألماني هايك ماس لقناة ZDF الأسبوع الماضي، حينما قال:

“لن نعطي سنتًا آخر إذا سيطرت طالبان على البلاد وطبقت الشريعة”.

كما تؤكد بيانات الأمم المتحدة على سوء الوضع الاستثماري الأفغاني خلال السنوات الماضية.

حيث تشير بيانات الأمم إلى أن البلاد لم تشهد إعلانات عن استثمارات جديدة جديدة خلال العامين الماضيين.

بينما يصف البنك الدولي القطاع الخاص في أفغانستان بأنه ضيق وذو وضع حرج.

حيث تتركز العمالة في الزراعة منخفضة الإنتاجية (تحصل 60٪ من الأسر على بعض الدخل من الزراعة).

كما تؤكد النظرة المتشائمة على أن الاقتصاد الأفغاني يعتبر اقتصادا غير مشروع بشكل كبير، خاصة مع انتشار جرائم مثل:

التعدين غير القانوني، وإنتاج الأفيون، وانتشار التهريب.

ثالثا. مواجهة النظرة المتفائلة لأصحاب النظرة المتشائمة:

ويواجه أصحاب النظرة المتفائلة أصحابَ النظرة التشاؤمية من خلال الطرح التالي.

حيث تمتلك البلاد لموارد طبيعية ونادرة بشكل كبير يصل إلى 3 تريليون دولار، وهو ما من شأنه النمو في ظل أمن أفضل وفساد أقل.

كما يؤكدون على أن الحركة ستعمل على فرض الأمن ومحاربة الفساد بشكل أكبر، لجعل البلاد أكثر جاذبية للاستثمارات والأعمال التجارية الدولية.

بل إن المتفائلين يذهبون إلى مدى أهمية المعادن التي تمتلكها أفغانستان وعلى رأسها الليثيوم المستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية.

حيث يؤكدون على أن هذا المورد سيجلب للبلاد ثروات هائلة في ظل العصر التكنولوجي والانتقال نحو أشكال النقل الخالية من الكربون.

ونحن إذ نتحدث عن أكبر حليف استراتجي متوقع فإننا نشير إلى الصين باعتبارها الجار الأكثر حرصا على التعاون مع الأفغان.

إلا أن المتشائمين يقفون أمام هذه النظرة المتفائلة، من خلال عرضهم للتحديات والمشاكل الاستراتيجية أثناء المرحلة الانتقالية القادمة، أهمها:

  • سحب الودائع من البنوك وخاصة من قبل الأجانب.

  • الوقت الذي قد تحتاجه البلاد لفرض الأمن والقانون.

  • مدى استعداد الحركة للتغير الاستراتيجي في طريقة تسيير الأمور وخلق أصدقاء استراتيجيين.

وحتى ذلك الوقت الذي ستتم فيه حل هذه المشاكل وغيرها، فإن البلاد ستكون في مرحلة عدم يقين، وسنقوم بنقل الأحداث أولا بأول إن شاء الله.

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية