اصطدم الاقتصاد العالمي بأزمتين متتاليتين خلال عامين فقط، وهما أزمتان تختلف إحداهما عن الأخرى من حيث الشكل، وهما الأزمتان اللتان قادتا العالم نحو مشكلة ارتفاع الأسعار ، وهو ما قد يقود العالم نحو انهيار اقتصادي عالمي وشيك.
ما هما الأزمتان الرئيسيتان؟
أما عن الأزمتين، فأولاهما يتعلق بالتوقف التام في العملية التجارية، وخاصة بعد عمليات الحجر العالمية خلال الشهور الأولى من الوباء.
بينما تمثلت الأزمة الأخرى بالتحرك المفاجئ للتجارة، بعدما اختارت العديد من الدول العودةَ إلى الحياة، وهو الأمر الذي تسبب في حدوث واحدة من أكبر الاختناقات التجارية في التاريخ.
ما هي مؤشرات هذه الأزمة وعلاماتها؟
لقد طورت بلومبيرغ ايكونوميكس مؤشرات جديدة تؤكد على مدى خطورة المشكلة الحالية، وفشل العالم في إيجاد حل سريع إزاء هذه المشكلة.
حيث توضح هذه المؤشرات، أن الأزمة الاقتصادية ما زالت تزداد سوءا في بعض المناطق العالمية.
بل ذهبت المؤشرات إلى التأكيد على ان الأزمة الاقتصادية قد بدأت بالخروج إلى العلن في بعض دول العالم.
فقد بات بمقدور العين المجردة ملاحظة الأرفف الفارغة في بعض الأماكن، إلى جانب ما يمكن ملاحظته من أزمات في الموانئ والسفن.
كما يمكن ملاحظة الأمر بشكل أوضح، في قطاعات بعينها، مثل قطاع السيارات، والذي يعلن بشكل متكرر عن مشاكل في التصنيع بسبب نقص أشباه الموصلات.
وإذا كانت هذه المؤشرات تدل على أمر، فإنها تدل على أن علامات الأسعار المتزايدة ستستمر في كل شيء تقريبا، وهو ما تمت الإشارة إليه سابقا، ويمكنك مطالعة المقال بالضغط هنا.
البنوك أيضا لديها رأي مماثل!
حيث ستدفع هذه الأزمة الاقتصادية القائمة، البنوك المركزية في مختلف انحاء العالم، نحو التفكير بشكل جدي إلى رفع أسعار الفوائد قبل أي موعد متوقع، لمواجهة مشكلة ارتفاع الأسعار، والتي ستنعكس سلبا على تكاليف المعاملات التجارية التي تقوم بها البنوك بمختلف أنحاء العالم.
حيث تحدثت الواشنطن بوست مؤخرا عن أزمة لا تتحدث البنوك التجارية عنها بشكل صريح، وهي مشكلات ارتفاع تكاليف المعاملات التجارية والتي تُكبد البنوك خسائر أو تمنع عنها أرباحاً مختلفة نتيجة تحمله لها.
ويمكن التدليل على هذه المشكلة الخفية، من خلال التركيز على اسباب الأرباح التي يتم الإعلان عنها من قبل البنوك.
حيث ترتبت تلك الأرباح الأخيرة على العمليات الاستثمارية بشكل أكبر من تلك الناجمة عن العمليات المصرفية التقليدية.
وللإنصاف؛
فإن هذه الأزمة لم تأتِ بشكل مفاجئ، بل لقد جاءت نتيجة ظروف قاهرة بدأت منذ انطلاق الجائحة.
وذلك حينما توقفت العديد من المصانع عن الإنتاج نتيجة عمليات الحجر، مما أدى إلى تقليص العمالة بشكل واضح جدا آنذاك.
ليرتطم الاقتصاد، بأزمة أخرى، تمثلت في عودة الطلب بشكل سريع جدا بعد فتح الاقتصاديات بشكل اسرع مما كان متوقعا.
وهو ما أدى إلى مكافحة المصانع في إنتاج ما يكفي لسد حجم الطلب الهائل، والذي أدى إلى رفع مستويات الأسعار.
ففي الصين، مثلا، أدت زيادة الطلب إلى ارتفاع أسعار المنتجات بمعدل سنوي بلغ 10% وهو الأسرع منذ التسعينيات.
وإن كان هذا الأمر يتعلق بزيادة الأسعار، فإنه يقترن أيضا بأزمة أخرى تتعلق بنقص الانتاج.
حيث وصل نقص الانتاج إلى أعلى مستوياته منذ عشرين عاما في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.
وهذا يعني، أن الاقتصاد العالمي، انتقل من مرحلة فائض العرض بعد انخفاض الطلب في بداية الجائحة، إلى نقص حالي حاد في الانتاج.
ونحن هنا لا نتحدث عن سلعة أو خدمة معينة، وإنما نتحدث عن مزيج متنوع من السلع التي تواجه هذه المشاكل، مثل:
-
قطاع السيارات:
-
قطاع شركات تجارة التجزئة.
إذن ما الحلول لمواجهة مشكلة ارتفاع الأسعار وأزمات سلاسل التوريد؟وما هي المشكلة في الحلول نفسها؟
اما عن الحلول، فتبدو قاتمة، فقد قالت شانيلا راجانياغام الخبيرة الاقتصادية في HSBC:
“لابد أن تتراجع شروط الشحن في أوائل، حتى يتم التعامل مع الاضطرابات، والتي قد تمتد حتى منتصف العام المقبل على الأقل”.
كما وأضافت قائلة:
“إن مسألة التنبؤ الأكيد بموعد انتهاء مشكلة التجارة العالمية، بات أمراً مستحيلاً في ظل الظروف الضبابية التي نعيشها.”
فيما تمثل الحل الآخر، وفقا لشانيلا، بأمر يستلزم وقتا طويلا، وتكلفة باهظة قد لا تتحملها الكثير من الدول.
حيث تحدثت عن:
-
ضرورة إعادة بناءُ البنية التحتية الجديدة للموانئ لتصبح أكثر كفاءة.
-
تحسين تكنولوجيا المعاملات الرقمية، وغيرها من الأمور الاستراتيجية.
بينما لا تتمثل المعضلة بالتكلفة والوقت اللازم لحلها، بل تتعلق بالوقت الذي يمكن أن تتم خلاله هذه الحلول.
حيث ستجري هذه الحلول، إن بدأت فعلا، في ظل تسارع في مستويات الأسعار، مما ينذر بوقو ركود تضخمي كما جرى في السبعينيات.
وفي النهاية، فإننا نؤكد على ما أشار إليه رئيس مجلس الشحن العالمي “جون بالتر” حينما قال:
“الوضع الحالي فريد ومختلف عن الاضطرابات السابقة، والطريقة التي ستتلاشى فيها، لا بد من أن تكون مختلفة بشكل كبير”.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية