هل يكون مستقبل الوظائف هو العمل عن بعد؟ وما هي المشكلة في ذلك؟

مع زيادة حدة انتشار كورونا، توقفت الحياة العملية لمدة ليست بسيطة، بشكل يُذكرنا بتعطل الحياة خلال الحروب في منطقة ما، وقد صاحب هذا الإغلاق العديد من الظواهر، كان أبرزها ظاهرة العمل عن بُعد، أي بعيدا عن المكان الطبيعي لأداء العمل، ومنذ أيام نشرت الجارديان البريطانية حديثاً للمدير التنفيذي لشركة فيس بوك، السيد “مارك زوكربيرغ”، يشير فيه إلى أن مستقبل الوظائف يشير إلى آلية العمل عن بعد لأكثر من نصف الموظفين في الشركة خلال 5-10 سنوات قادمة.

أهم تحديات مستقبل العمل عن بعد:

إن ظاهرة العمل عن بعد لن تقتصر على الأزمة الحالية، كحلٍ مؤقت، بل إن أصحاب الشركات والمؤسسات سيتخذونها طريقة مميزة لتخفيض التكاليف والنفقات، وستكون واحدة من المعايير المُفضلة في التوظيف، إلى جانب المعايير الخاصة بالمؤهلات والشهادات والخبرات، وهذا ما يدفع بالتساؤل في هذه المقالة، عن أمرين اثنين: هل سينعكس العمل عن بعد على ما يتقاضاه العاملون من أجور؟ وما هي أكثر الأمور التي يمكن تطبيق آلية العمل عن بُعد عليها؟

على الرغم من عدم استعداد عموم الشركات للعمل عن بُعد منذ سنوات، إلا أن فايروس كورونا سرّع من وتيرة استعداد الشركات لهذه الظاهرة، ليس حُباً بها، ولكن تماشيا مع ظرفٍ قام بدفع الجميع نحو تبني هذه الآلية وغيرها من الأمور، وخاصة مع صعوبة العمل الطبيعية، ومحاولة موائمة التكاليف مع انخفاض الإيراد، وهذا يُرجح فكرة انخفاض الأجور لأنها كانت محوراً هاما في إحداث هذه الظاهرة، فالأمور التي كانت تقوم الشركات بإضافتها للأجور على أقل تقدير، لن تكون موجودة في ظل العمل عن بُعد، فبدلات المواصلات، وقيمة التأمين التي ستختلف عما كان عليه التأمين في ظل العمل في أماكن العمل الطبيعية، وغيرها من الأمور الأخرى.

وهنا يبرز التحدي الخاص بالأجور، حيث يتصدى العديدون لفكرة انخفاض الأجور، ذلك لأن الموظف سيحتاج في ظل العمل عن بعد لأجر مرتفع، بسبب الأمور التي سيتكبدها بنفسه، لتوفير بيئة مناسبة مادية تلبي احتياجات العمل المُستجدة، ونفسية تساعده على البقاء مُركّزاً ويقظاً، إلى جانب تحمله لتكاليف التكنولوجيا، التي تشير تقارير كثيرة إلى ارتفاع تكلفتها بشكل يوائم ارتفاع جودتها في كل مرة.

أما فيما يتعلق بالتساؤل الثاني، المتعلق بالأمور التي تصلح للعمل عن بُعد أكثر من غيرها، فإن ذلك يرتبط بطبيعة العمل نفسه؛ حيث أن الوضع الراهن يشير إلى أن الأعمال المُعتمدة على التكنولوجيا بشكل كبير، هي أكثر الأعمال المعرضة للعمل عن بعد، أما فيما يتعلق بالأعمال الإنتاجية والصناعية، فإن مستقبل العمل عن بعد فيها مرتبط جداً بتبني الشركات لتقنية الذكاء الاصطناعي، وهو أمر ليس ببعيد أيضا، إذا ما أشرنا إلى تقارير الشركات التقنية، التي أكدت على أن فايروس كورونا، سرّع من وتيرة التوجه نحو الثورة الصناعية الرابعة، بل إن كورونا اختصر من الوقت اللازم لتوجّه العالم نحو تبني التكنولوجيا في أقصى درجاتها.

إن الحديث اليومَ لا يقتصر على مستقبل العمل وتحوله لمفهوم العمل عن بعد، بل إنه سيمتد للحديث عن عالم جديد بشكل كامل، من حيث الوظائف، وما يتعلق بها، من أصحاب أعمال، وموظفين، وبنية تحتية، بل ويمتد لعالم ما قبل الوظائف، وأقصد به العملية التعليمية المؤهلة لعالم الوظائف والمِهَن، وتجهيز الأجيال وموائمتهم لعصر جديد من الأعمال.

وفي النهاية، فإنني ادعوكم لقراءة المقالات التالية:

مشكلة العمل من المنزل في ظل كورونا

العودة الصعبة إلى مكاتب عمل عن بعد

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية