لم يتمكن البنك المركزي الاوروبي من رفع اسعار الفائدة لمواجهة التضخم بشكل سريع ومشابه ما حدث مع البنوك المركزية الأخرى حول العالم، وذلك بسبب التزامه بما يسمى بالتوجيهات المستقبلية لتحركات اسعار الفائدة على اليورو، وهي التوجيهات التي تخلى عنها الآن بعد تسع سنوات من تطبيقها، وذلك وفقا لبعض الأشخاص المشاركين في القرار الذي تم اتخاذه يوم الخميس، وسنشير في المقال الحالي إلى هذا السلوك الذي يعد أهم ما جاء في خطاب اجتماع البنك المركزي الاوروبي يوم الخميس الماضي.
حيث فاجأ المسؤولون الأوروبيون في اجتماع البنك المركزي الاوروبي العديد من الاقتصاديين برفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ أكثر من عقد بمقدار نصف نقطة مئوية.
وقد تمثلت المفاجأة بأن التوجيهات كانت تشير إلى أن المركزي الاوروبي يعتزم التحرك بنصف هذا الحجم فقط.
وقد قال اثنان من أعضاء مجلس إدارة البنك لصحيفة فاينانشيال تايمز:
“كنا نعتقد بأن اسعار الفائدة يجب أن ترتفع قبل شهر على الأقل، إلا أن ذلك لم يحدث بسبب الالتزام بالتوجيهات المستقبلية القائلة بأن اسعار الفائدة لن ترتفع حتى يتم التوقف عن شراء المزيد من السندات في أوائل يوليو”.
كما قال أحد المسؤولين عن تحديد معدل الفائدة في البنك المركزي الأوروبي:
“لقد أراد عدد كبير من المسؤولين في المركزي رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس وفقا للتوجيهات المستقبلية”.
إلا أنه ووفقا لهذا المسؤول فإن رفع الفائدة بهذا القدر الضئيل هو أمر سيؤدي إلى فقدان المصداقية.
ويبدو أن المسؤولين في المركزي الاوروبي بدأوا في التفكير مليا في توفير ارشادات وتوجيهات تمكنها من التحرك الفعال.
خاصة وأن الأمر لا يتعلق بالتضخم الذي وصل إلى أعلى مستوياته في أكثر من 40 عاما، بل إنه يتعلق الآن بأزمة الطاقة الأوروبية وعدم الاستقرار السياسي في إيطاليا.
وبدورها فقد قالت رئيسة البنك المركزي الاوروبي كريستين لاغارد يوم الخميس:
“لقد تخلينا عن التوجيهات السابقة بشأن حجم ارتفاع اسعار الفائدة، ونتوجه الآن إلى نهج الاجتماع بالإجماع لتحديد تكاليف الاقتراض”.
كما أضافت قائلة:
“نحن أكثر مرونة؛ من حيث أننا لا نقدم توجيهات مستقبلية من يأي نوع”.
حيث أنها تعني بذلك أن القرار برفع اسعار الفائدة سيتم اتخاذه بناء على أساس البيانات المعتمدة شهرا بشهر.
وقد كانت التوجيهات المستقبلية بشأن اسعار الفائدة جزءا مهما من مجموعات ادوات السياسة النقدية عام 2013 بعدما قدمها ماريو دراجي الذي كان رئيسا للبنك المركزي الاوروبي آنذاك.
إلا أن بعض المحللين رأوا أن هذا الكسر لهذه التوجيهات سيؤدي إلى اضطراب في الأسواق وتوقعاتها.
حيث قال ماركو فالي ، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في بنك UniCredit الإيطالي:
“من المحتمل أن يؤدي هذا إلى زيادة التقلبات في توقعات رفع أسعار الفائدة حيث تحاول الأسواق فهم وظيفة رد فعل البنك المركزي الأوروبي في وقت ارتفاع التضخم المدفوع بالعرض والضعف الكبير للنشاط الاقتصادي”.
ولكن لاجارد قامت بتقديم بعض التوجيهات بشأن الاتجاه المستقبلي لأسعار الفائدة يوم الخميس، مما يشير إلى مزيد من الارتفاعات في المستقبل.
حيث قالت:
“في اجتماعاتنا المقبلة، سيكون من المناسبة القيام بالمزيد من عمليات رفع الفائدة على اليورو”.
لتضيف أيضا:
“نرغب في رفع الفائدة بشكل تدريجي إلى وضع محايد على نطاق واسع لتخفيض التضخم ومنع الركود”.
إلا أنها رفضت الحديث أو تقدير معدل الفائدة المحايد حتى لا يتم إعطاء توقعات واشارات جامحة لمسار الأسواق.
ولكن بعض اعضاء مجلس ادارة البنك المركزي الاوروبي توقعوا اسعار الفائدة على اليورو عند مستويات 1-2%.
أما فريدريك دوكروزيت ، رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في Pictet Wealth Management فقد اقترح قائلا:
“انصح بأن يقوم البنك المركزي الأوروبي بنشر توقعات أسعار الفائدة لأعضاء مجلسه خلال العامين المقبلين”.
ليشبه في هذا الأمر الطريقة التي ينشر بها الاحتياطي الفيدرالي متوسط توقعات معدل الفائدة لمسؤوليه كل ربع سنة.
كما ختم دوكروزيت قائلا:
“يتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يبتكر طريقة جديدة للإشارة إلى نيته في السوق، وإلا فإنه سيضيف طبقة من الصعوبة للتنبؤ بما سيفعلونه في الاجتماعات القادمة.”
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية