يمر اقتصاد امريكا والصين اليوم ، على حد سواء، بأكثر الأوقات حرجا، على الصعيد الاقتصادي بشكل خاص.
أولا. المشاكل لدى الاقتصاد الصيني:
حيث تعاني الصين من معارك داخلية، على مستوى تنظيم أمور المؤسسات المالية والتكنولوجية الخاصة لديها، إضافة لحرصها على ضبط شؤونها بما يوائم استراتيجياتها طويلة المدى.
كما تعاني من مشاكل اقتصادية، على أكثر من جبهة، سواء فيما يتعلق بنقص الطاقة الذي أعلنته في منتصف الشهر الماضي، أو على مستوى انهيار واحدةٍ من أكبر شركات التطوير العقاري لديها.
إلا أن هناك من يجد في المعارك الداخلية التي تخوضها الصين، وسيلة ذكيّة لإِحكام السيطرةِ على كافة مفاصل اقتصادها.
أما على صعيد المعارك الخارجية التي تواجهها الصين، فتأتي المواجهة الأمريكية على رأس تلك المعارك، إلى جانب معارك خارجية في مناطق أخرى، مثل: الاتحاد الأوروبي، واستراليا، وغيرها من المناطق.
ثانيا. المشاكل لدى الاقتصاد الأمريكي:
أما على الصعيد الأمريكي، فحدِّث ولا حرج؛ حيث باتت الأرض الأمريكية مسرحا للمشاكل الاقتصادية والمالية المتوالية.
فمن مشاكل بيئية، متمثلة بالحرائق والعواصف المتعاقبة، والتي أثرت على بِنية الاهتمام المالي للحكومة، إلى مشاكل اقتصادية، متمثلة بمواردها الذاتية، من نفطٍ صخري، وغاز طبيعي.
وصولا إلى المشكلة الأعمق في الوقت الحالي، والمتمثلة بمعالجة ديونها التي وصلت إلى حالة حرجة جدا.
ثالثا. اقتصاد امريكا والصين اليوم ، يشترك بالمشاكل، ويختلف بآليات العلاج:
يبدو هذا من خلال ما تقوم به كل من الصين وأمريكا، فيما يتعلق بالبيانات الصادرة عنها، أو آليات تعاملها مع المشاكل المتعاقبة.
فالصين التي تلتزم الصمت عن الأرقام والبيانات التي تصدر عنها، فإنها تقوم باتخاذ الإجراءات الحكومية الصارمة، دون الاكتراث بضرورة اقتناع الجمهور الصيني، أو العالم الخارجي بما تفعله.
كما أنها لا تشارك العالم، بتفاصيل وتفسير ما تقوم به من جهود، أثناء اجتيازها لمشاكلها الاقتصادية.
بينما نجد النقيض على الجانب الأمريكي؛ حيث سرعان ما تقوم الولايات المتحدة بالإعلان عن مشاكلها المختلفة.
بل إنها تسارع بالضغط على جرس الإنذار، وتضخيم حدة المشاكل، وإن كانت المشاكل كبيرة بالفعل.
وهو الأمر الذي يجده البعضُ مدروساً وممنهجاً، وذلك لإبقاء العالم في حالة تأهب، وشد للإعصاب.
كما يؤكد أصحاب هذه النظرية، على أن قيام الولايات الأمريكية بهذه الأمور، ما هو إلا تأكيدٌ على ربط مصير العالم بأسره بمصير الاقتصاد الأمريكي.
وعلى الرغم من أن هذه النظرة القديمة الحديثة، تقارِبُ الواقعَ بشكل كبير، إلّا أن الأمر اليوم بات مغايرا عمّا ما مضى.
حيث تزاحمُ الصينُ الولايات المتحدة، بشكل بات الجميع ينظر للصين، وكأنها الطرف المتربص بسقوط الطرف الآخر.
رابعا. ما هي المشكلة الأمريكية الجديدة التي قد تبدو فرصة للصين؟
أما عن المشكلة الجديدة التي يبدو أنها ستكون فرصة للصين، هو ما قامت به أمريكا اليوم لمعالجة كارثة اقتصادية مرتقبة.
حيث صوت أعضاء مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة لتمديد سقف ديون البلاد مؤقتًا، قبل أقل من أسبوعين من الموعد المقرر لبلوغه مرحلة خطيرة جدا، وفقا لما جاء على صفحات BBC.
وقد دارت خلافات كبيرة بين الديموقراطيين والجمهوريين، وهو الأمر الذي تسبب في حدوث توترات في الأسواق المالية.
وذلك حينما تخوفت الأسواق العالمية من تداعيات كارثية على الاقتصاد العالمي، في حال تخلف أمريكا عن السداد.
ولكن مجلس الشيوخ (الغرفة العليا بالكونغرس) قرر التصويت على تمديد سقف الديون حتى أوائل الشهر الأخير من العام الحالي.
وسيتم الآن إرسال مشروع القانون إلى مجلس النواب للتصويت عليه يوم الثلاثاء القادم، للموافقة عليه قبل إرساله إلى الرئيس بايدن للتوقيع عليه.
حيث سيرفع هذا الإجراء المؤقت، سقف الديون الأمريكية إلى 480 مليار دولار أمريكي.
كما ويأتي هذا الاتفاق قبل أقل من اسبوعين من التاريخ الذي حذرت منه وزيرة الخزانة الأمريكية وهو 18 اكتوبر.
والذي أشارت فيه جانيت يلين، إلى أنه وفي حال عدم اتخاذ قرار سريع لإنقاذ الموقف، فإن الولايات المتحدة، ستتجه نحو أول تخلف أمريكي عن السداد.
خامسا. انتباه!!! المشكلة الأمريكية ما زالت قائمة…
إن المشكلة الأمريكية لم يتم حلها، وإنما تم دفعها وتأجيلها لشهرين قادمين.
فلا يزال يتعين على المشرعين الأمريكيين معالجة هذه القضية بالقرب من الموعد النهائي الجديد للسداد، والذي سيكون في ديسمبرالقادم.
ما الذي سيحدث في حال تخلفت أمريكا عن سداد ديونها؟
يتحدث المحللون عن الضرر البالغ للتصنيف الائتماني للبلاد في حالة تخلفها عن سداد ديونها.
كما يؤكدون على أنه سيكون إغراقا للنظام المالي العالمي في حالة من الاضطراب، وربما سيؤدي إلى ركود ذاتي.
سادسا. إذن، ما هو سقف الدين؟
تنفق حكومة الولايات المتحدة أموالاً أكثر مما تجمعها من الضرائب، لذا فهي تقترض لتعويض النقص.
ويتم الاقتراض من خلال وزارة الخزانة الأمريكية، من خلال إصدار السندات.
حيث يُنظر إلى سندات الحكومة الأمريكية على أنها من بين أكثر الاستثمارات أمانًا وموثوقية في العالم.
وفي عام 1939، وضع الكونجرس حدًا إجماليًا أو “سقفًا” لمقدار الديون التي يمكن للحكومة أن تتراكمها.
إلا ان هذا السقف تم رفعه أكثر من 100 مناسبة للسماح للحكومة باقتراض المزيد.
وهو الأمر الذي يتم، عادةً، دون مواجهات سياسية جديرة بالذكر والملاحظة.
ولكن الجمهوريين يشعرون بعدم ارتياح، وينظرون إلى الموضوع وكأن الديموقراطيين يحاولون التصرف دون دعم الجمهوريين.
بل إن الجمهوريين يجدون بأن ما يتم الآن هو معالجة لمشاكل حالية، عن طريق توليد مشاكل مستقبلية.
إلا ان الديموقراطيين يجدون بأن سياسات بايدن لم تساهم سوى في 3% من الديون الحالية.
سابعا. تحذير أخير، اقتصاد امريكا والصين اليوم في حالة تخبط ويجب الانتباه!!!
وبين هذا وذاك، فإننا يجب أن نؤكد على خطورة الموقف الأمريكي من جانب، وموقف الاقتصاد العالمي المرتبط بالاقتصاد الأمريكي بمختلف جوانبه.
كما يجب أن نشير إلى خطورة التصرف الصيني فيما يتعلق بآليات تعامله مع مشاكله، وسيطرته على مفاصل الاقتصاد دون الاكتراث للمصالح الفردية بالمطلق.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية