أربعة اسباب تفسر استمرار الألم الاقتصادي في أمريكا أحدها الدولار القوي

أظهرت البيانات الأمريكية الجديدة لشهر مايو ارتياحا نسبيا ضئيلا بعد سلسلة من الارتفاعات القياسية في مؤشر التضخم، إلا أن هذا لا يعني أن الأسوأ قد انتهى بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، وسنحاول في هذا المقال تقديم الأسباب التي قد تفسر استمرار الألم الاقتصادي في أمريكا .


لقد استقر مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي على أساس سنوي لشهر مايو عند نسبة 6.3% مشابها لما كان عليه الوضع في ابريل.

حيث يعتبر هذا المؤشر أحد القراءات الرئيسية التي يتم من خلالها قياس التضخم.

وعلى الرغم من استقراره، إلا أنه ما زال يبلغ أكثر من ثلاثة أضعاف الهدف الرسمي للبنك الفيدرالي البالغ 2%.

وهذا يعني المزيد من تشبث المسؤولين الأمريكيين بعملية زيادة الفائدة، قبل التراجع عنها في وقت لاحق.

ولذلك فقد أبقى المتعاملون بالسوق النقدي على توقعاتهم بالنسبة لنطاق الفائدة المستهدف للشهر القادم بمقدار زيادة حجمها 75 نقطة أساس.

كما رسمت هذه القراءات الحديثة توقعات جديدة بالنسبة لمتعاملي السوق، خاصة وأنها أعطت لمحة بسيطة إلى أن التضخم قد وصل إلى ذروته.

حيث يتوقع أن يحدث تباطؤ في رفع اسعار الفائدة ابتداء من نوفمبر، والتوقف تماما عن الزيادة بداية عام 2023.

أربعة أسباب لاستمرار الألم الاقتصادي في أمريكا :

أولا. استثناءات مثيرة للجدل في قراءات التضخم:

إن التفاؤل بوصول التضخم لأعلى مستوياته، قد يبدو تفاؤلا مفرطا، خاصة وأن هناك استثناءً للغذاء والطاقة.

وهو استثناء واستبعاد مثير للجدل، خاصة وأنه يتعلق بأهم السلع الأساسية التي يحتاجها كل مواطن.

حيث كتب إيان شيبردسون، كبير الاقتصاديين في بانثيون ماكرو إيكونوميكس، في مذكرة له:

“يبدو أن مكاسب الأجور البطيئة، والدولار القوي ساهم في إحداث تباطؤ في التضخم الأساسي”.

وهذا يعطي تفسيرا لتباطؤ التضخم بدفع من قوة العملة وليس بدفع من تراجع الأسباب الرئيسية لارتفاعه.

ثانيا. القوة الشرائية ما زالت قوية لدى الأمريكيين:

هناك عامل ما زال يساهم في استمرار زيادة الطلب الاستهلاكي في أمريكا، والذي يغذي بدوره معدل التضخم.

حيث ما زالت تريليونات الدولارات التي تم تقديمها منذ عام 2020 لانقاذ الاقتصاد من شبح الركود نتيجة الظروف الصحية، أحد العوامل وراء ارتفاع الأسعار بشكل كبير، نظرا لاستمرار القدرة الشرائية لدى المواطن الأمريكي.

ثالثا. انخفاض النمو الاقتصادي ما زال أمراً مرعبا:

وقد قال مايكل بيرس ، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في كابيتال إيكونوميكس:

“إن النمو الاقتصادي الأمريكي في الفترة من أبريل إلى يونيو انخفض إلى معدل سنوي قدره 1٪، وهذا أقل بكثير من معدلات نمو الاتجاه الأمريكي التي تُقدر عادةً بنحو 2٪، وهو ما يعود بشكل كبير لضغوط الاسعار المرتفعة”.

كما كتب بيرس يقول:

“نتوقع أن يظل النمو دون الاتجاه العام خلال النصف الثاني من العام أيضًا“.

ويعتبر تفسير بيرس أمرا خطيرا جدا على الاقتصاد الأمريكي، حيث إن رفع اسعار الفائدة سيزيد من تباطؤ الاقتصاد وبالتالي سيدفعه للانزلاق نحو الركود.

حيث إن رئيس الفيدرالي الأمريكي اعترف بنفسه أنه لا بد من إعطاء تأكيدا على أن التضخم لن يندفع للارتفاع على المدى الطويل.

وقد أدلى جيروم باول بهذا التصريح في مؤتمر مصرفي مركزي في البرتغال الاسبوع الماضي، ليزيد من عدم اليقين تجاه التضخم.

رابعا. سوق الائتمان يتأهب للتراجع:

تستعد أسواق الإئتمان لمزيد من الألم نظرا لارتفاع تكالفة الائتمان، ممثلة بزيادة اسعار الفائدة، وهو ما يعني مزيدا من الألم الاقتصادي.

حيث ترتفع تكلفة الائتمان لهذا العام بأسرع وتيرة تمت ملاحظتها منذ أكثر من عقد من الزمان.

فتضاعف متوسط ​​سعر العقد على الرهن العقاري ذي السعر الثابت لمدة 30 عامًا في الولايات المتحدة تقريبًا إلى 5.70٪ منذ سبتمبر الماضي.

ويتعلق الألم الذي قد يشعر به سوق الائتمان، بمختلف القطاعات، سواء الفردية الاستهلاكية، أو التجارية.

في النتيجة؛

إن معدلات التضخم الأمريكي يجب أن تواصل إثبات انخفاضها دون إهمال للعوامل التجارية والسياسية التي ما زالت تعمل على زيادة مخاوف المستثمرين.

بينما يجب التعاطي مع ملف ارتفاع الاسعار على صعيد الطاقة والغذاء والتي ما زالت مرتفعة لأسباب خارجة عن القدرة الأمريكية.

بل إن الإجراءات العقابية التي تقودها أمريكا في حق روسيا، قد تزيد من المخاوف تجاه التضخم على المدى الطويل


تم الاستناد في كتابة هذا التحليل إلى آراء Howard Schneider and Ann Saphir عبر مقالتهم المنشورة في وكالة رويترز.

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية