يرتفع معدل الاستهلاك في رمضان ، وتضرب أرقام المشتريات مستويات قياسية على صعيد المواد الغذائية تحديدا، إلّا أن هذه المستويات التي اعتاد الجميع عليها خلال المواسم الرمضانية في السنوات الماضية،إما أنه سيتم إعادة دراستها بشكل كبير، أو أنها ستنخفض بشكل إجباري، بسبب المشاكل الاقتصادية التي تخيم على الأمن الغذائي على وجه التحديد في الوقت الحالي.
وقبل الدخول إلى السؤال المهم المتعلق باحتمالية انخفاض الأسعار أم انخفاضها، فإنه تجدر الإشارة إلى أسباب ارتفاع معدلات الاستهلاك.
حيث أن رمضان المبارك يعتبر أكثر الأوقات استهلاكا للمواد الغذائية في العالم، وذلك بسبب غياب الثقافة سواء الصحية أو الدينية أو المهنية والاجتماعية.
فعلى الصعيد الصحي،
يُسارع الجميع إلى تعويض الأطعمة التي يشعرون أثناء صيامهم برغبة تجاهها، وذلك بشرائها لما بعد الإفطار.
وإذا تمت مراقبة السلوك الغذائي أثناء شهور الإفطار، فإنه سيتم ملاحظة سوء السلوك الغذائي المتبع أساسا.
حيث الانشغال بالأعمال وإهمال الوجبات الرئيسية، وتناول مقدار قليل من الأطعمة، وإهمال مبالغ به في الشرب لدى الغالبية.
وهذه العادات السيئة تشير إلى أن الغذاء لدى الفرد أساسا لا يمثل سلوكا رئيسيا في الأيام الاعتيادية، باستثناء بعض الوجبات السريعة والسيئة وقليلة الحجم أيضا.
بينما وعلى الصعيد الديني،
فيتعلق الأمر بغياب الإدراك لدى العموم بالمقصد الديني الخاص بفرض شهر الصيام في الإسلام.
والذي فُرض لإشغال النفس بالعبادات والطاعة بشكل أكبر، والشعور بالفقراء، واستغلال الوقت للتقرب من الله.
إلا أن شهر رمضان لدى الكثيرين، هو شهر روتيني، متمثل ببذل أقل مجهود لتحمل ساعات العطش، ثم الانشغال بإضاعة الوقت.
أما مهنيا،
والذي يقود الكثيرين نحو زيادة الاستهلاك في رمضان ، فيتمثل في أن هناك تباينا وتضاربا.
ما بين عمل مُنهك ومُتعب يدفع الكثير نحو بذل الجهد وبالتالي التوجه نحو الاستهلاك، وإن كان يجد البعض في هذه المهن وسيلة لتفكير أقل في الاستهلاك.
بينما يتمثل النوع الثاني من الوظائف، بالمهن الوظيفية الرتيبة التي تتسبب في ما يسمى بوقت الفراغ.
وبالتالي التفرغ نحو العادات الاستهلاكية أو الاندفاع نحو تمضية الوقت في أمور تقود إلى الاستهلاك، وعلى رأسها الإعلام المرئي بشتى أنواعه.
وترتبط الأمور الثلاثة الماضية ببعضها البعض، فالعادات الصحية وغياب الثقافة الدينية، والظروف المهنية، أمور تدفع في النتيجة إلى زيادة الاستهلاك.
دون إهمال للظروف النفسية والاجتماعية التي تدفع الفرد إلى محاكاة غير منطقية أو عقلانية في عادات الاستهلاك خلال الشهر الكريم.
ارتفاع معدلات الاستهلاك في رمضان عادة لن تستطيع عليها بعد الآن!!
يعيش العالم اليوم في ظروف اقتصادية هي الأصعب لربما منذ عام 1929 حينما ضرب الكساد العظيم أرجاء العالم.
بينما يشير البعض إلى مخاوف كبيرة إزاء ما يُسمى بالركود التضخمي، المرتبط بانخفاض القدرة على الشراء من جانب، واستمرار ارتفاع الأسعار من جانب آخر.
حيث أدت الأزمة الأوكرانية إلى انكشاف ضعف الاقتصاد العالمي، وكيف أن لأزمة بعيدة القدرة على إحداث تأثير في بقالة الحي.
كما تشير الكثير من المنظمات العالمية والوكالات الدولية وغير الرسمية، إلى مدى تأثير هذه الأزمة على التجارة العالمية بشكل عام.
وقد قالت رئيسة منظمة التجارة الدولية أوكنغو أن الحرب المستعرة ستقلص حجم التجارة العالمية إلى النصف.
بينما تحدث الاتحاد الأوروبي عن الضعف الذي سيصيب النمو الاقتصادي لدى دول الاتحاد التسعة عشر من 4.5% إلى 2.5% لهذا العام.
فيما لا يغيب شبح ضعف النمو عن الاقتصاد الأمريكي، الذي يحارب ارتفاع الأسعار الأعلى منذ عام 1982.
أما على صعيد الزراعة،
فإن العالم بأسره يواجه مشكلة في ارتفاع تكاليف الأسمدة ونقصها بسبب خلل في إمدادات أحد المواد المهمة في انتاج الأسمدة التي يتم استيرادها من أوكرانيا.
وإذا كان ما تم ذكره بعض المشاكل التي أحدثتها الحرب، فإنها لم تأتي بمعزل عن مشاكل كانت قد أحدثتها الجائحة.
حيث ما زالت سلاسل التوريد العالمية في وضع سيء جدا خاصة مع عمليات الاغلاق المستمرة للموانئ الرئيسية الصينية التي تعتبر شريانا مهما للتجارة العالمية.
في النتيجة،
فإن مستويات الأسعار قد لا تشهد انخفاضا حتى وإن هدأت عاصفة الحرب، وذلك نظرا لآثارها الاقتصادية المستمرة.
وهو الأمر الذي ما إن أدركه الفرد الآن، حتى بدأ بالتجهز إلى المرحلة القادمة، والتدبر في الإنفاق والاستهلاك بشكل عام وليس في الغذاء فحسب.
ولا يعني هذا ابتعادا عن مبدأ الاتكال على الله تعالى في كل ما هو قادم في المستقبل، وإنما يمثل مزاوجة بين مبدأين.
حيث الاتكال على الله كما أمرنا الله في كتابه العزيز حينما قال “وعلى الله فليتوكل المتوكلون” (آل عمران، 122).
ثم الاقتداء بسنة رسول الله المتمثلة بالأخذ بالأسباب، المتمثل بالغدو والرواح كسبب من أسباب الرزق.
حيث قال رسول الله:
“لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماساً، وتعود بطانا”.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية