في المقالةِ التاليةِ سنناقشُ بإيجازٍ شكلَ الاقتصاد ما بعد جائحة كورونا ؛ حيثُ يتهمُ الكثيرون برامجَ التحفيزِ الحكوميةِ بأنها ستكونُ سبباً في إحداثِ مشاكلَ كبيرةٍ للشركاتِ بعد انقضاء هذه الجائحة.
ناهيك عن تلك الشركات المتوسطة وصغيرة الحجم والتي لن تصمدَ طويلًا في ظل الإغلاق الحالي.
ثم ليبلغَ السوءُ في المشهدِ الاقتصاديِّ حدَه، حينما سيطالُ القطاعَ المصرفيِّ بعدَ تكشفِ الكثيرِ من أوضاع الشركات على وجه التحديد.
إذن ما الحلُ للتعاملِ مع الصورةِ القاتمةِ للاقتصادِ بعدَ كورونا؟
وهل يحتاطُ أحدٌ من أصحابِ القرارِ والذين يتوقون للانتهاء من الجائحة لهذا الصورة الاقتصادية القاتمة؟
لقد تفشى الفايروس بشكلٍ عالميٍّ نهايةِ الربعِ الأولِ من العامِ الحاليِّ، وقد دخلَ الجميعُ معَهُ في حالةٍ من التخبطِ والذعرِ.
وقد زادت المخاوفُ تباعاً مع ارتفاعِ أعدادِ الضحايا في إيطاليا وإسبانيا، وانتشارِ مقاطعِ الفيديو لسياراتِ نقلِ الموتى وهي تجوب شوارع إيطاليا بالعشرات.
وقد دفع هذه المخاوفُ الجميعَ إلى التخبط على مختلف الأصعدة؛ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على حد سواء.
وبدأت الحكوماتُ في الدولِ المتقدمةِ بعملياتِ إغلاقٍ للحدودِ والاقتصادِ بشكلٍ متتابع.
لتعلنَ بعدَ ذلك عن حزم التحفيز المختلفةِ لإنقاذ الاقتصاد من الوقوع في براثنِ الكسادِ مرةً أخرى بعد مئة عام تقريبا من الكساد العظيم.
وحتى لا أُطيل في الشرح فإن الاقتصاد ما بعد جائحة كورونا سيعاني بشكل كبير ليس بسبب الديون الحكومية التي ارتفعت بشكل كبير.
وإنما من خلال مئات المليارات من الالتزامات التي حَطَت على رؤوسِ الشركات أثناء فترة كورونا.
وعلى الرغم من أن المقالة التي أرتكز عليها في استشراف الاقتصاد ما بعد جائحة كورونا، قد تمحورت حول الوضع الاقتصادي في أوروبا، إلا أن القصة تدفعني إلى الكتابة عن الاقتصاد العالمي بشكل أشمل من اقتصارها على الجانب الأوروبي.
حيث دُفعت الشركات إلى القروض المصرفية، وإصدار السندات وذلك بدعم من سياسات التحفيز التي مارستها مختلف الحكومات.
وهذا الأمر سيمثل إرثاً اقتصاديا مسموما ومحفوفا بالمخاطر، وستتعرض الموارد المالية المستقبلية للشركات إلى مخاطر كبيرة.
إن الشركات ستكون أمام خيارين اثنين، سيمثلان معضلة كبيرة بعد انتهاء الجائحة الحالية؛
فمن جانب، ستكون الشركاتُ مطالبة بالعودة إلى الإنتاجية وتحقيق الأرباح.
ومن جانب آخر، ستكون مطالبةً بالتعامل مع أعباء الديون الكبيرة التي لم تكن مهيأة لها أساسا.
أما عن المشهد الاقتصادي بعد كورونا، فيبدو أن الشركات الصغيرة لن تكون أحدَ أبطالِه في ظل استمرار الإغلاقات.
ويعقب على ذلك رئيس اللجنة المالية لاتحاد الشركات الصغيرة الفرنسية (جيرمان سيمونو)، قائلا:
“مع كل أسبوع يمر ، تتضاءل فرص بقاء الأعمال المغلقة”
ونحن إذ نتحدث عن هذا الوضع الكارثي على صعيد الشركات، فإننا نتجه شيئا فشيئا من كارثة مصرفية وشيكة؛
حيث ستؤدي الميزانيات المتعثرة إلى اندلاع حالات من التخلف عن السداد والإفلاس التي من شأنها أن تضر بالقطاع المصرفي.
إذن ما الحل مع هذا الوضع الكارثي؟
يبدو أن الحل يكمن في العودة إلى سبب المشكلة، وهي برامج التحفيز الحكومية التي تسببت في زيادة حجم المشكلة.
إن ما أقصده بالعودة إلى هذه البرامج، هو عدم إنهائها بشكل مفاجئ ومباشر، وترك الشركات في العراء دونما تحضيرهم لما هو قادم.
إضافة إلى توجيه الدعم النوعي للقطاع المصرفي، والقيام بإصلاحه وحمايته عبر مختلف السياسات والإجراءات.
أما فيما يتعلق بالشركات الصغيرة والمتوسطة فإن المسألة تحتاج لأكثر من نقاش في مقالة واحدة فحسب.
وبين شركات قائمة مُنهكة وشركات شارفت على إنهاء حياتها، يبقى معدلُ البطالة الشخصية الرئيسية في المشهد الاقتصادي والذي سيسيطر على كل المشاهد بعد انتهاء الجائحة.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية