أعلن البنك المركزي اللبناني عن إفلاسه في بداية أبريل من عام 2022 بعد سلسلة من المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها هذه الدولة منذ عقود، وفي المقالة التالية سنعطي أمثلة على الدول التي أعلنت إفلاسها وما الذي تفعله الدول في هذه الحالة.
وبغض النظر عن اليونان التي تعتبر أشهر الأمثلة على الدول التي أعلنت إفلاسها في العصر القديم والحديث (كما سنشير لاحقا)، فإن هناك حالات أشهر وأكبر بكثير من إفلاس اليونان التي عجزت عن سداد ديونها البالغة 1.7 مليار دولار أمريكي.
وقبل الدخول إليها فإنه لابد من التذكير بأن إسبانيا تعتبر أول دولة ذات سيادة تعلن عن إفلاسها في العصر الحديث عام 1557 ميلاديا.
أولا. أيسلندا، عام 2008، بدين يبلغ 85 مليار دولار:
تم تحرير النظام المصرفي في آيسلندا عام 2001، مما سمح للبنوك الكبرى بالاستدانة بأحجام ضخمة لتمويل مشاريع التوسعة الاقتصادية.
إلا أن هذه البنوك سرعان ما اصطدمت بالانهيار الذي حدث في القطاع المالي الأمريكي عام 2008.
فوجدت البنوك الأيسلندية نفسها غير قادرة على تمويل ديونها، حتى تضاعفت ديونها بشكل هائل.
حيث تضاعفت الديون المترتبة على النظام المصرفي عشرة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
ثم ومع سقوط أكبر ثلاثة بنوك أيسلندية، وجدت الدولة نفسها في براثن الركود، وانكمش اقتصادها بنسبة 10% لعامين كاملين.
والجدير بالذكر، أن هذه الأزمة ساعدت الدولة في إعادة النظر في سياساتها وتحسين اقتصادها.
حتى حققت مستويات مميزة أهمها انخفاض البطالة عند 4%، ونمت عام 2014 بشكل أفضل مما كانت عليه قبل 2008.
ثانيا. الأرجنتين، 2001 بدين يبلغ 145 مليار دولار:
اعتُبِرَ الاقتصاد الأرجنتيني من أفضل دول أمريكا اللاتينية على الإطلاق خلال حقبة التسعينيات، إلا أن أمرا حدث دفعها للانهيار عام 2001.
حيث تم ربط البيزو بالدولار الأمريكي، ليخرج الدين العام عن السيطرة، في ظل استشراء الفساد،
لتجد الدولة نفسها بحلول عام 2001 ، عند بطالة لامست مستويات 20%، ثم لتعلن الدولة أكبر تخلف عن سداد ديونها في التاريخ.
أدت أعمال الشغب وعدم الاستقرار السياسي الناتجة عن ذلك إلى حرق البلاد لخمسة رؤساء في أسبوعين وشهدت فرار الرئيس فرناندو دي لا روا من الأمة عبر طائرة هليكوبتر.
ثالثا. روسيا، عام 1998، دين بقيمة 17 مليار دولار:
تأثر اقتصاد روسيا بالأزمة المالية الآسيوية التي ضربت في النصف الثاني من التسعينيات.
حيث انخفض طلب العديد من الدول على النفط الروسي، وهو ما سبب مشكلة للدولة على صعيد قدرتها على سداد ديونها.
وقد أدت أزمة الروبل في عام 1998 إلى خسارة سوق الأوراق المالية الروسية 75% من قيمتها ووصل التضخم إلى 80% مع فرار المستثمرين من السوق.
كما انكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 5.3% عام 1998، ووصلت البطالة إلى 13% وانكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 5.3%.
رابعا. المكسيك لعام 1982، بدين يبلغ 80 مليار دولار أمريكي:
نما دين هذه الدولة بشكل رهيب بسبب برامج التوسع المالي الهائلة لإدارة لويس إتشيفريا، وذلك في أعقاب الصدمة النفطية في أواخر السبعينيات وتدهور الاوضاع الاقتصادية.
فانخفضت قيمة البيزو المكسيكي بنسبة 50%، ولكن الدولة وخلال أول عامين من الأزمة كانت قادرة على الوفاء بديونها.
إلا أن الوضع الاقتصادي المتردي دعف الدولة غير قادرة على سداد ديونها لصندوق النقد الدولي، وقروض الولايات المتحدة الامريكية.
كما انخفض الناتج المحلي الإجمالي للدولة بنسبة 11%، وهوما أدى إلى إطلاق شرارة أزمة الديون في أمريكا اللاتينية.
وقد تكون هذه الشرارة التي مكنت صندوق النقد الدولي من تقديم القروض لدول القارة اللاتينية لمشاريع وإصلاحية لا تحظى حتى الآن بشعبية كبيرة.
أما الآن فإن سيرلانكا تعيش في أزمة مالية كارثية قد تدفعها إلى الإعلان عن الإفلاس.
ما هي الأسباب الرئيسية لإفلاس الدول؟
يؤدي عدم قدرة أو إحجام الدولة عن الوفاء بديونها إلى التخلف عن السداد، وذلك لعدة أسباب أهمها:
عندما يتغير الحزب الحاكم في بلد ما ، تتخلف الحكومة الجديدة في كثير من الأحيان عن سداد الديون التي ورثتها عن الحكومة السابقة.
انخفاض التدفقات المالية العالمية وعدم كفاية الإيرادات.
الإفراط في الإنفاق الحكومي وتراجع أهم الصناعات في البلاد .
ماذا تفعل الدول في حالة إفلاسها؟
كلمة إفلاس الحكومات هي كلمة خاطئة بالمفهوم النظري والعملي ايضا، ولكنها تتخلف عن السداد، وسنشرحه بعد توضيح آلية الدولة في التعامل مع ديونها على النحو التالي.
فمثلما ننفق نحن كأفراد بشكل متكرر على مواردنا ونتحول إلى الائتمان، فإن الحكومات تفعل الشيء نفسه من خلال إصدار سندات مع الوعد بسداد قيمة السند بالإضافة إلى الفائدة بمعدل الاستحقاق.
كما تقوم الدولة بخدمة سداد ديونها الوطنية أو ما يسمى بالديون السيادية المتمثلة بالديون الداخلية والخارجية، على النحو التالي:
أما الديون الداخلية فيتم سدادها من خلال السياسة المالية والنقدية (الضرائب وطباعة الأموال).
بينما يتم خدمة الديون الخارجية بسداد السندات بالعملات الأجنبية التي كانت قد أصدرتها الدولة واشتراها الأجانب.
وقبل الحديث عن إجراءات الدولة في حالة إفلاس، فلابد من التذكير بأن كلمة إفلاس الدول تعبير خاطئ.
فعندما تفشل دولة ما في سداد ديونها ، فإنها لا تفلس، ولكنها تتخلف عن سداد القرض، وهذا التخلف يتعلق بالحكومة وليست الدولة.
ومعظم البلدان تخلفت عن سداد ديونها، أو أعادت هيكلة ديونها في مرحلة ما في تاريخها.
فاليونان كانت أول دولة تتخلف عن سداد ديونها عام 377 قبل الميلاد، وهي أيضا من أحدث وأشهر الأمثلة على الدول التي تخلفت عن سداد ديونها.
بل إن اليونان وبحسب التاريخ، فقد تخلفت عن سداد ديونها لنحو نصف تاريخها الذي يعود إلى استقلالها منذ عام 1829م.
وفي هذه الحالة، فإن هناك عدة آراء، وسنقسمها إلى الأقسام التالية:
أولا. النهج في إفلاس الدول للسيطرة العالمية:
وهذا ما يتبعه بعض المشككين في نوايا المُقرضين، وأنهم يدفعون الدول إلى حالة التخلف للسيطرة على الدولة.
ثانيا. الفساد في الدول أو سوء التخطيط الذي يدفع إلى حالة التخلف عن السداد:
وفي هذه الحالة، تسعى الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي إلى برامج الانقاذ مثلما حصل مع الدول السابق ذكرها.
وبرامج الأنقاذ لا تتعلق بالمال، بل تتعدى إلى توفير الخبرة الفنية للتعامل مع برنامج الإنقاذ، وتصل إلى التدخل في صناعة وصياغة السياسات المالية.
أما عن أهم ما يتم في حالات التخلف عن السداد، فهو، لجوء الدول الدائنة لإعادة التفاوض بشأن شروط القروض، وجدولة المدفوعات، وإعادة النظر في سنداتها، وتصنيفها ائتمانيا.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية