هل ستنجح العقوبات الاقتصادية على روسيا ؟ معلومات صادمة قد تعيد تشكيل النظر

ما زال الملف الروسي الأوكراني يلقي بظلاله على اهتمامات العالم بشكل كبير، خاصة مع الكلمة التاريخية التي وجهها بوتين لشعبه عشية يوم الإثنين الماضي، وهو ما دفع الدولة تلو الأخرى إلى الإعلان عن حزمة من العقوبات الموجهة ضد اقتصاد روسيا، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن مدى نجاح العقوبات الاقتصادية على روسيا ، وهو ما سنحاول الإجابة عليه من خلال المقال التالي.


ولكن وقبل الدخول في تفاصيل المقالة، فإنه يجب التنويه إلى أن ما سيتم عرضه يعبر عن معطيات وقراءات اقتصادية مختلفة، وهو ما لا يمكن أن يؤثر على مجريات الأحداث السياسية، نظرا لأن السياسة علم اللامنطق في كثير من الأحيان.


أولا. مفهوم العقوبات الاقتصادية على روسيا :

تعتبر العقوبات الاقتصادية على روسيا هي السلاح الأبرز والأقوى ما بين أدوات السياسية الخارجية لكل من أمريكا وحلفائها.

حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن حزمة من العقوبات الاقتصادية أهمها:

  • قطع الديون السيادية عن التمويل الغربي.

  • فرض عقوبات على مؤسستين ماليتين كبيرتين وعلى النخبة الروسية.

وهو ما سيؤدي إلى إغلاق المعاملات بالدولار الأمريكي وتجميد الأصول الخاضعة للسلطة القضائية الأمريكية.

الأمر الذي لن يمكن ديون الحكومة الروسية من التداول في الأسواق الغربية.

بينما قال رئيس الوزراء الياباني بأن العقوبات ستشمل حظر إصدار سندات روسية في اليابان وتجميد أصول بعض الأفراد الروس بالإضافة إلى تقييد السفر إلى اليابان.

بينما أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يوم الثلاثاء عن الجولة الأولى من العقوبات الاقتصادية على روسيا.

 ودون الدخول إلى تفاصيل باقي العقوبات الاقتصادية العالمية التي يتم فرضها حتى الآن، فإننا سنحاول التعرف على جدوى هذه العقوبات وقدرتها على النجاح لتحقيق الآمال الأمريكية والغربية.

ثانيا. تاريخ العقوبات الاقتصادية على روسيا منذ عام 2014، وحتى الآن:

إذا عدنا في الزمن إلى العام 2014، وهو التاريخ الذي بدأت فيه العقوبات الاقتصادية الأمريكية الغربية على روسيا، وتحديدا بعد دخولها لجزيرة القرم، فإننا سنجد روسيا مختلفة الآن.

حيث سارعت الولايات المتحدة آنذاك إلى فرض سلسلة من العقوبات التي استهدفت بشكل أساسي وصول روسيا إلى الأسواق المالية.

وهو ما أدى إلى الحاق الكثير من الآثار الاقتصادية السيئة، وعلى رأسها تدهور الروبل الروسي امام الدولار بمقدار الضعف.

حيث ارتفع من 35 روبل روسي للدولار إلى 75 روبل للدولار الواحد في عام 2018.

بينما حدت تلك العقوبات من قدرة روسيا على تصدير بعض الأصناف، وخاصة العسكرية.

ثالثا. هل ستنجح العقوبات الاقتصادية على روسيا ؟

للإجابة عن مدى الضرر الذي قد تلحقه العقوبات الاقتصادية الآن، فإننا لابد من التساؤل عن مدى ما ألحقته العقوبات الاقتصادية السابق ذكرها، ثم الحديث عن مضمون العقوبات الحالية.

1. مدى تماسك روسيا خلال السنوات الماضية بعد العقوبات الاقتصادية:

حيث استمرت روسيا في مشاريعها الداخلية، وتنفيذ عدة مشاريع اقتصادية مهمة، وقامت بالإيفاء بوعودها في تنظيم عدة أحداث، كان أبرزها كأس العام 2018 والذي كلف الدولة المليارات من الدولارات.

وإن كانت روسيا قد تمكنت من التماسك بعد العام 2014، فإنها الآن بموقف أقوى من ذي قبل، وذلك بعد جهودها في تقوية نظامها المالي.

فعلى مدى السنوات السبع الماضية، تمكنت موسكو من تحقيق الاستقرار في النظام المالي ولديها ما يقرب من 635 مليار دولار من احتياطيات الذهب والعملات الأجنبية اعتبارًا من أوائل فبراير.

كما ونقلت رويترز عن وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف قوله الأسبوع الماضي:

“نعلم تماما الأثر السلبي للعقوبات، إلا أن روسيا ستكون قادرة على تحمل القيود بسبب احتياطياتها الوفيرة”.

أما عن العقوبات المفروضة على البنوك، فأشار أنطون بأنها ستضر الجميع بما في ذلك العملات الأجنبية.

كما ويبدو بأن روسيا تعلم تماما مستويات العقوبات التي تفرض وستفرض، وتدرك بأن البنوك وفصلها عن نظام سويفت.

وهذا ما دفعها إلى استيراد 5 مليارات دولار أمريكي من النقد الأجنبي لمقابلة الطلب على النقد في حالة العقوبات.

وبغض النظر عن مساعي روسيا في تحسين نظامها المالي، فإن النظام المالي العالمي قد لا يكون بمنأى عن التأثر السلبي، خاصة وأن العقوبات ستلقي بظلالها السيئة على مستويات اسعار النفط والطاقة المرتفعة أساسا.

وهو ما سيؤثر بشكل كبير ومباشر على:

  • قدرة البنوك المركزية على التعامل مع معدلات التضخم خلال الشهور القادمة.

  • استقرار الأسواق المالية؛ حيث نشهد تراجعات وتذبذبات تميل إلى الانخفاض.

  • تأثر المؤسسات المالية على خلفية تراجع الاستقرار الاقتصادي وضعف النمو الذي كانت تتوقعه بعد الجائحة.

2. فصل روسيا عن نظام سويفت:

أما عن فصل روسيا من نظام سويفت، والذي يعتبر منصة آمنة للمؤسسات المالية لتبادل المعلومات حول المعاملات المالية العالمية مثل التحويلات المالية، فالأمر لا يبدو بأنه سيكون مهما، سواء من وجهة نظر روسية، أو من وجهة نظر مالية.

فمن وجهة النظر الروسية، فإنها قامت بتطوير ما يشبه هذا النظام تحت اسم SPFS، وإن كان بشكل مبسط.

أما من وجهة نظر مالية، فهذا النظام لا ينقل الأموال فعليا، ولكنه يعمل كوسيط للتحقق من معلومات المعاملات.

وإن اردنا الحديث عن مسألة استبعاد روسيا من هذا النظام، فيجب إدراك أن نظام سويفت يعمل من بلجيكا، وهذا يستوجب أن تقوم أمريكا باستدعاء كافة حلفائها الاوروبيين، وهو ما لا يمكن فعله الآن بسبب الضرر المالي على النظام المالي المنهك أساسا لدى الحلفاء الغربيين لأمريكا.

أما عن الجانب السياسي، ففصل روسيا عن نظام سويفت، والذي يجب الاعتراف بضرره الكبير على روسيا، إلا أنه بحاجة إلى مصادقة بروكسل.

ومصادقة بروكسل على هذا القرار، سيعطي نظرة سلبية جدا عنه، وسيرى الجميع بأنه منصة عالمية مسيطر عليها من قبل أمريكا.

وهو ما لا ترغب به هذه المنصة التي ينظر إليها على أنها منصة تجارية محايدة.

3. خط الأنابيب نورد ستريم 2:

ونأتي للعقوبات الخاصة بخط الأنابيب الذي يربط روسيا بألمانيا عبر بحر البلطيق وهو نورد ستريم 2.

فبعدما تحدثت ألمانيا عن استهداف هذا الخط وتعطيله، ارتفعت أسعار الغاز بشكل كبير، وإن لم يصل إلى مستويات تاريخية.

ولكن هذا المشروع، والمملوك لشركة غازبروم الروسية الحكومية، فإنه وعلى الرغم من قدرته على إلحاق الضرر بروسيا، إلا أنه سيلحق الضرر بألمانيا بشكل أكبر.

حيث تلبي روسيا أكثر من نصف الإمدادات الخاصة بالغاز الطبيعي لألمانيا كما في عام 2020.

كما وسيلحق الضرر ايضا بدول أوروبية أخرى مثل النمسا وإيطاليا ودول أخرى في وسط وشرق أوروبا.

بينما سيتمد التأثير السلبي إلى الشركات التي قامت ببناء هذا الخط، وهي خمسة شركات طاقة أوروبية وهي:

  • OMV النمساوية.

  •  Engie الفرنسية.

  • Shell وشل البريطانية

  • Uniper الألمانية .

  •  ووحدة BASF.

وهكذا فإنه وبشكل نظري، وبعد القاء النظر على المعطيات السابقة، فإن روسيا كانت تدرك تماما بأن العقوبات الاقتصادية قادمة لا محالة، وانها كانت تستعد لذلك بشكل أو بآخر.


تم الاعتماد في كتابة هذه المقالة على قراءات سابقة، وبشكل أخص على المواقع الآتية:

indianexpress

رويترز، أخبار كندا، وأخبار اليابان.

موقع CNBC

مجدي النوري مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية