رويترز – لجأ البنك المركزي البريطاني إلى شراء السندات مرة أخرى يوم الأربعاء في خطوة طارئة للحد من الفوضى في الأسواق المالية التي فجرتها الأسبوع الماضي خطط الضرائب والإنفاق لرئيسة الوزراء البريطانية الجديدة ليز تروس، ووزير ماليتها كوارتينج، وفيما يلي عرض لتشخيص الوضع البريطاني الذي قد يتجه نحو رفع الفائدة على الجنيه الاسترليني إلى مستويات مرتفعة جدا.
بل إن الدولار الأمريكي تعرض لتراجعات على خلفية تحسن الاسواق المالية الأمريكية التي تم تبرير ارتفاعاتها بحركة المركزي البريطاني.
ولكن ذلك لن يكون شافعا لاستمرار التحسن في الاسواق المالية بشكل عام.
وفيما يلي سنعرض حكاية الاقتصاد البريطاني، وحكاية الفائدة على الجنيه الاسترليني .
لماذا بدأت التدخل البريطاني؟
تراجعت أسعار السندات الحكومية، بعدما بدأ المستثمرون المطالبة بعوائد أعلى نظرا للوضع الاقتصادي المتراجع في بريطانيا.
وقد كاد تراجع اسعار السندات الحكومية بالتأثير سلبا على مستقبل صناديق المعاشات التقاعدية في البلاد، التي تستثمر في السندات بشكل كبير.
وهو ما يهدد اعدادا هائلة من المتقاعدين البريطانيين الذين يضعون أموالهم في هذه الصناديق.
بل إن ارتفاع العائد على السندات، يهدد بإحداث فوضى في سوق الإسكان، وزيادة مخاطر الركود في الاقتصاد الأوسع.
ولكن، لماذا تواجه بريطانيا أزمة مالية أخرى؟
لقد كان المستثمرون قلقين بالفعل بشأن التكلفة الهائلة للتخفيضات الضريبية ودعم الطاقة الذي وعد به تروس حتى قبل أن يعلن وزير ماليتها كواسي كوارتنج عن مزيد من التخفيضات في الضرائب يوم الجمعة الماضي.
وبدلاً من الاستجابة لوعود كوارتينغ بنمو اقتصادي أقوى، إلا أن المستثمرين شعروا بالخوف من احتمالية ارتفاع التضخم، نتيجة التخفيضات الضريبة.
حيث أنهم رأوا أن البنك المركزي سيقوم بتعويض الخسارة التي ستلحق بالحكومة جراء التخفيضات الضريبية، عبر تسريع رفع الفوائد.
وسيكون رفع الفوائد بالنسبة للاقتصاد البريطاني أمر غير محمود الجوانب، وذلك أنه اقتصاد قائم على الاستيراد فيما يتعلق بالوقود والغذاء ومنتجات أخرى، والتي تحتاج إلى الاقتراض للحصول عليها.
أما الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لبنك انجلترا فيتعلق بالعوائد على السندات الحكومية التي قفزت، وتحديدا طويلة الأجل.
وهنا يأتي السؤال الآخر، لماذا يقوم المركزي بشراء السندات؟
يسعى بنك إنجلترا إلى عكس ما يعتبره “خللاً وظيفيًا” في سوق السندات، وذلك من خلال شراء السندات بقيمة 65 مليار جنيه استرليني.
حيث قال مصدر مطلع على القرار:
“إن البنك المركزي يسعى على وجه التحديد لمعالجة المشاكل التي تواجه صناديق المعاشات التقاعدية”.
حيث إن هذه الصناديق حساسة للغاية للانخفاضات المفاجئة في أسعار السندات طويلة الأجل وفي ظروف السوق الصعبة.
كما أنه ومن خلال التصرف مؤقتًا كمشتري للسندات، يهدف بنك إنجلترا إلى منع البيع بدافع الذعر.
لكن برنامج الشراء يختلف عن البرنامج الذي أطلقه بنك إنجلترا خلال الجائحة عام 2020، بل وتلك التي حدثت أثناء استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث تم تصميمه ليكون قصير المدى فقط.
وهنا أيضا يبرز سؤال آخر، وهو : ما الذي يمكن أن تفعله تروس ووزير ماليتها؟
لقد وعدت تروس بتحطيم “العقيدة” الاقتصادية في محاولتها لتصبح زعيمة لحزب المحافظين.
كما أن إعلانات تخفيض الضرائب التي قدمها كوارتنج الأسبوع الماضي تمثل مضاعفة للتعهدات التي قطعتها خلال حملتها الانتخابية.
وقد قال بعض المستثمرين:
“إن الطريقة الوحيدة التي يمكن للحكومة الجديدة من خلالها استعادة ثقتهم هي من خلال عكس خطة خفض الضرائب، وهو أمر لم يُظهر تروس وكوارتنج أي علامة على القيام به”.
فبدلاً من ذلك، قال داونينج ستريت:
“إنه سيكون هناك المزيد من الإعلانات عن الإصلاحات لتحسين إمكانات النمو للاقتصاد البريطاني، والتي من المحتمل أن تتضمن محاولات لتقليص قواعد التخطيط ، وتغييرات في نظام الهجرة ، والمزيد من الاستثمار في التدريب والبنية التحتية”.
ماذا يعني كل هذا لسوق الإسكان؟
لقد سارع مقرضو الرهن العقاري لمواكبة التقلبات الجامحة في أسواق التمويل بالجنيه الاسترليني التي تحدد معدلات الرهن العقاري التي يقدمونها لأصحاب المنازل.
حيث توقف بعض المقرضين مؤقتًا عن إصدار قروض عقارية لعملاء جدد.
بينما قام آخرون بزيادة معدلات السداد للقروض الجديدة إلى مستويات من المحتمل أن تمتد إلى ملايين أصحاب المنازل الحاليين وتجعل الرهون العقارية الجديدة غير ميسورة التكلفة بالنسبة للعديد من الآخرين.
وتتميز صفقات الرهن العقاري للعملاء الجدد الآن بمعدلات تتراوح بين 5% و 6%، وهي زيادة حادة عن المعدل الطبيعي البالغ حوالي 2% خلال السنوات الخمس الماضية.
وهو الأمر الذي أدى إلى تزايد القلق من حدوث انهيار في سوق العقارات بعد ذلك.
ماذا يحدث بالجنيه الاسترليني؟
استعاد الجنيه الإسترليني بعض مكاسبه مقابل الدولار الأمريكي يوم الأربعاء، بعد أن انخفض بشكل حاد بعد إعلان بنك إنجلترا.
لكنه لا يزال منخفضًا بنحو 6% منذ بداية سبتمبر، أي ضعف اليورو تقريبًا.
وهذا يعني أن بريطانيا ستواجه ضغوط تضخم ناجمة عن العملة أكثر من نظرائها الأوروبيين في وقت يكون فيه معدل التضخم فيها هو الأعلى بين اقتصادات مجموعة السبع الكبرى.
ويراهن المستثمرون على قيام بنك إنجلترا برفع أسعار الفائدة إلى ما يقرب من 6% بحلول مايو، وهي نسبة أعلى بكثير من مستواها الحالي البالغ 2.25%.
وقد فشل العديد من المصدرين في رؤية الكثير من التعزيز من الضعف السابق في العملة حيث يضطرون في كثير من الأحيان إلى شراء المواد الخام والمكونات من الخارج.
وقد يعزز ضعف الجنيه صناعة السياحة في بريطانيا، لكنه سيجعل سفر البريطانيين إلى الخارج أكثر تكلفة.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية