يلاحظ انخفاض صرف الدولار الامريكي وتذبذبه في أول أيام تعاملات شهر آب، الذي سيكون محموما بالبيانات الاقتصادية، التي ستلقي بظلالها على التوقعات والرهانات حول مقدار الزيادة القادمة في الفوائد على الدولار الأمريكي، التي سيتم اتخاذها شهر سبتمبر القادم.
وفيما يلي سنعرض وجهة النظر التي ترى ضعفا قادما في الدولار، ووجهة النظر المقابلة لها، وفقا للتحليل الأساسي.
كما سنعرض مصير الدولار الأمريكي خلال الشهر الحالي وتحديدا في الأسواق الفلسطينية، وكيف أنه يمكن أن يكون شهرا مميزا لحصد الأرباح.
وجه النظر التي تتحدث عن ضعف الدولار الأمريكي:
لوحظ انخفاض صرف الدولار الامريكي مقابل الشيكل، بعد القوة الكبيرة التي حظي بها الدولار خلال الشهر الماضي تحديدا.
وذلك حينما وصل الدولار الأمريكي 3.53 شواكل للدولار، بتاريخ 1/7/2022، وهو أعلى مستوى له منذ منتصف عام 2020.
إلا أن الدولار عاود الانخفاض بشكل نسبي بعد قرار الفيدرالي الأخير الذي صدر يوم الاربعاء الماضي.
وذلك مع استمرار الأسواق في الرهان على أن الفيدرالي سيكون أقل تشددا فيما يتعلق برفع الفائدة، حتى لا يتسبب ذلك بحدوث الركود.
وقد جاء هذا الرهان على أن الفيدرالي لن يقدم على رفع الفائدة بمقدار كبير، استنادا إلى أمرين اثنين.
تعلق الأول بمسح أجرته جامعة ميشيغان الأمريكية التي أشارت إلى ارتفاع معنويات الأمريكيين حول أن التضخم قد بلغ أعلى مستوياته فعلا.
بينما تعلق الآخر برقم الناتج المحلي الإجمالي الذي ظهر يوم الخميس ليشير إلى تراجع الاقتصاد الأمريكي للربع الثاني على التوالي.
وباجتماع السبب الأول والثاني، فإن يقين الاسواق ارتفع بشأن عدم قيام الفيدرالي برفع الفائدة بشكل أكبر.
وقد انخفض مؤشر الدولار الأمريكي خلال الشهر الماضي بعد رفع الفائدة على الدولار، حيث سجل 104.48 نقطة.
وكتب المحللون الاستراتيجيون في جيفريز في مذكرة بحثية حديثة:
“يبدو أن توقعات أسعار الفائدة الأمريكية بلغت ذروتها في الوقت الحالي (أي في الشهر الماضي)”.
كما قالوا أيضا:
“يبدو أن الدولار مبالغ فيه.”
ويقدر التجار في الوقت الحالي احتمالية بنسبة 31% في أن يحافظ الفيدرالي على وتيرة رفع الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس.
بينما رأت نسبة 69% أن الفيدرالي سيقوم برفع الفائدة بمقدار نصف نقطة خلال اجتماعه في 21 من شهر سبتمبر القادم.
وقد كتب تايلور نوجينت، اقتصادي الأسواق في NAB في سيدني ، في مذكرة للعملاء:
“يبدو أن الأسواق تراهن على أن الاحتياطي الفيدرالي قد قام بنصيب الأسد من مهمته بشأن التضخم، وسوف يتقبل بيانات النشاط المتباطئ”.
الرد على وجهة النظر التي تؤيد انخفاض الدولار وفقا للتحليل الأساسي:
يتفق التحليل الأساسي مع الأسباب التي عرضتها وجهة النظر المؤيدة لانخفاض صرف الدولار الأمريكي.
إلا أن هناك أسباب أخرى أيضا تتعلق بالطرف المقابل لسعر الصرف، وهو الشيكل، الذي استفاد من اداء الأسواق المالية الأمريكية.
حيث تحسن أداء هذه الأسواق بدعم من نتائج الأعمال النصفية للشركات المدرجة التي جاءت مرضية رغم تباينها.
وقبل الدخول في أسباب رفض وجهة النظر المؤيدة لانخفاض الدولار، فإن نقطة الخلاف تقع في رفض المبالغة في “الحكم القطعي والراسخ” لمسألة الضعف بناء على المعطيات السابقة فقط.
حيث قال الفيدرالي صراحة من خلال رئيسه عبر المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد قرار الزيادة يوم الاربعاء:
“إن الهدف الأساسي والكبير هو مكافحة التضخم بكافّة الوسائل”
كما قال جيروم باول، رئيس الفيدرالي في تصريحه أيضا:
“إن الاقتصاد الأمريكي قد يقبل شيئا من التراجع الاقتصادي الناعم بهدف كبح جماح التضخم”.
كما يكْمُنُ وجه الاعتراض على مسألة “الحكم القطعي” في انخفاض الدولار الأمريكي، في تصريح الفيدرالي أيضا.
وذلك حينما أعلن الفيدرالي تخليه عن مسألة التوجيهات المستقبلية التي كان يشير من خلالها إلى الزيادة القادمة.
ليشير إلى أنه سيتم اتخاذ القرار وفقا للمعطيات والبيانات الاقتصادية التي ستصدر تباعا، حاله كحال المركزي الأوروبي.
أما عن الارتياح الذي سرى في أوصال الأسواق بسبب فكرتهم في أن الفيدرالي لن يقوم برفع الفوائد في المرات القادمة، بسبب أن التضخم قد وصل إلى أعلى مستوياته، وفقا لمسح جامعة ميشيغان، فيمكن نقد هذا الارتياح أيضا بسهولة شديدة.
حيث ارتفع مؤشر نفقات اسعار المستهلك، وهو أحد مؤشرات التضخم التي يراقبها الفيدرالي والمنتجون عن كثب.
ليسجل أعلى مستوياته سواء على صعيد الأساس الشهري أو على صعيد الأساس السنوي.
وهو ما يؤكد على أن المعاناة من ارتفاع الأسعار ما زالت قائمة، خاصّة في ظل ارتفاع اسعار الطاقة التي ما زالت تلوح في الأفق.
كما يمكن أن تتأثر الولايات المتحدة باستمرار اغلاق الاقتصاد الصيني، الذي يعدُّ واحدا من أهم عملاء الاقتصاد الأمريكي سواء على صعيد التصدير أو الاستيراد.
وإن كان هذا العامل “الظرف الاقتصادي الصيني” لا يحمل وزنا يقينيا وفقا للتحليل الأساسي حتى الآن.
بينما وفيما يتعلق بأداء الأسواق المالية المميز، فيمكن التشكيك فيه بسهولة، نظرا لضآلة حجم التوقعات التي تم تخفيضها وفقا للظروف المختلفة.
بل إنه وحتى وإن افترضنا أن الزيادات القادمة ستكون ضئيلة، بنصف نقطة للشهر القادم، وبربع نقطة لمرتين متتاليتين حتى نهاية السنة الحالية، فإن ذلك سيمثل تحديات كبيرة بالنسبة للشركات على صعيد تكاليف الاقتراض.
بل إن هذه الشركات ستواجه مشاكل أعمق في قدرتها على تحقيق أداء مميز في ظل ركود اقتصادي محتمل وقتامة توقعات مدراء الشركات نفسها.
وهذا يعني أن سعر صرف الدولار مقابل الشيكل سيتحسن بشكل ملحوظ في كل مرة تتراجع في أسواق المال الأمريكية.
ما المميز في شهر آب؟ وكيف يمكن تحقيق الأرباح فيه؟
بعد عرض وجهة النظر التي تؤيد انخفاض صرف الدولار الامريكي ونقد هذه الفكرة من وجهة نظر التحليل الأساسي، سنعرض سبب اعتبار شهر آب شهرا مميزا للمتعاملين بالدولار، وكيف يمكن جني الأرباح من خلالها.
حيث سيجتمع المركزي الاسرائيلي في 23 من هذا الشهر ليتخذ قراره إزاء الفائدة، والتي قد يرفعها إذا ارتفع التضخم.
بينما سيكون هذا الشهر مليئا بالبيانات الاقتصادية المهمة من بطالة وتضخم وغيرها، دون أن يكون هناك اجتماع يُذكر للفيدرالي.
وهذا يعني أنه وفي حالة قام المركزي الاسرائيلي برفع الفائدة بمقدار نصف نقطة مثلما حدث الاجتماع الماضي، فإن الفجوة بين الفائدة الأمريكية والإسرائيلية ستنخفض، وهو ما سيمثل أمرا جيدا لصالح الشيكل خلال هذا الشهر.
إلا أن هذه الميزة الخاصة بالشيكل ستتعرض للكثير من التذبذب في كل مرة سيصدر فيها مؤشر اقتصادي أمريكي سيلقي بظلاله على الأسواق كما ذكرنا قبل قليل.
وهو ما يعني تذبذبا (نسبيا) على سعر الدولار مقابل الشيكل، الأمر الذي سيمكّن المضاربين من انشاء مراكز على الدولار وبيعها بهوامش ربح صغيرة ولكنها سريعة.
وهو ما حدث يوم الجمعة حينما انخفض الدولار إلى مستويات 3.381 ليعاود الارتفاع إلى 3.411 شيكل بسبب بيان التضخم المذكور أعلاه.
وهذا يعني أن متابعة البيانات الاقتصادية المهمة أولا بأول، والإلمام بكل ما يتعلق بها، ستمكن من جني الارباح اعتمادا على مبلغ المتعامل.
المقالات التي تم الاعتماد عليها في إعداد هذه المقالة:
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية