تعرض الاقتصاد التركي خلال الشهور الـ12 الماضية إلى هزات عنيفة على صعيد عملته الوطنية، حيث شهدت الليرة تراجعا أمام الدولار الامريكي بنحو 35%، وفيما يلي سنحاول تفسير أسباب انهيار الليرة التركية وهل ستنخفض بشكل أكبر أم لا وأمور أخرى مهمة.
قام البنك المركزي التركي يوم الخميس الماضي بتخفيض أسعار الفائدة من 16% إلى 15% للشهر الثالث على التوالي.
حيث أصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خفض أسعار الفوائد، على الرغم من انخفاض قيمة العملة، وارتفاع التضخم في البلاد.
علاقة اسعار الفوائد بالتضخم وقيمة العملة!
للتبسيط والإيجاز، فإن رفع أسعار الفوائد يعتبر، في العادة، وسيلة جيدة لتحسين أداء العملة، أو لتخفيض معدلات التضخم.
وذلك لما لرفع أسعار الفوائد من نتائج إيجابية على سحب المعروض النقدي من العملة المتواجدة في السوق المحلي.
وذلك بسبب الإقبال على إيداع تلك العملة مقابل الحصول على عوائد مرتفعة.
إلا أن الرئيس التركي أكد دعمه لمسألة تخفض أسعار الفوائد، طالما بقي في منصبه، وهو ما يزيد من الأمر غرابة.
حيث يرى الرئيس التركي، أن سعر الفوائد المرتفعة هو سبب رئيس للتضخم، على عكس النظرية الاقتصادية التقليدية السائدة.
وعلى كل حال، فإن سعر الليرة التركية وصل إلى أدنى مستوى له خلال حقبة الرئيس التركي الحالي، بل ومنذ حقبة التسعينيات التي كانت بداية انطلاقة الاقتصاد التركي الذي نعرفه اليوم.
العوامل التي تساهم في انهيار الليرة التركية !
أولا. التشكيك بمصداقية البنك المركزي التركي وضعف الثقة به!
ترى بعض الأسواق العالمية، ضعف مصداقية واستقلالية البنك المركزي التركي، بسبب عوامل الرضوخ الغريبة في خفض الفوائد في مثل هذه الأحوال.
حيث تزامن تخفيض الفوائد مع وصول معدل التضخم إلى أعلى مستوى له منذ سنوات، باستثناء تلك تم تسجيلها في نهاية عام 2019، حينما وصلت إلى 25%، على خلفية أحداث سياسة اقتصادية آنذاك.
كما ينظر البعض الآخر إلى أن المركزي التركي قد فقد مصداقيته، وذلك بعدما تمت إقالة عدد من المحافظين خلال فترات متقاربة، كردات فعل مباشرة على أوضاع اقتصادية تركية سيئة.
ثانيا. التوجه نحو العملات الأجنبية!!
لقد أدى الهبوط المستمر لليرة التركية، إلى انتقال السُكان المحليين نحو العملات الأجنبية، بما في ذلك الدولار واليورو، بهدف حماية استثماراتهم.
بل إن المستثمرين الأجانب بدأوا بالمغادرة من الأسواق التركية، بعدما قاموا بإغراقها بالأموال للاستفادة من أسعار الفائدة المرتفعة.
ثالثا. توجه التضخم إلى الارتفاع بشكل عالمي!
يتجه التضخم إلى الارتفاع على مستوى العالم، بما في ذلك الأسواق التركية، والتي تتجه نحو ارتفاعات أعلى من المستويات العالمية، نظرا لمستواها الحالي المرتفع.
وهو ما يدفع الليرة التركية نحو الضعف بشكل أكبر، إلّا في حالة تدخل الدولة عبر مختلف الأدوات النقدية، بشكل مختلف عما هو الآن.
أما عن السبب الآخر لاحتمالية ارتفاع التضخم، والذي قد يؤدي بدوره إلى انخفاض مستمر في العملة، فيعود إلى اعتماد الاقتصاد التركي إلى الغاز والنفط لتأمين احتياجاتها، وخاصة الصناعية.
وهو ما سينعكس مباشر على أسعار السلع والمنتجات والخدمات داخل الاقتصاد التركي.
أضف إلى ذلك دخول البلاد في مرحلة الشتاء، وهو ما يدفع الحركة السياحية إلى الانخاض، وهو أمر ليس بالجيد لاقتصاد يعتمد بشكل جيد على ما يمكن تسميته بالاقتصاد السياحي.
رابعا. نقص الاحتياطيات الأجنبية!!
يفتقر البنك المركزي التركي أيضًا إلى احتياطيات النقد الأجنبي، وهو الأمر الذي ربطه المراقبون بالتدخلات المتعددة السابقة في الأسواق للحفاظ على ليرة تركية قوية.
وهو ما أدى إلى نتائج عكسية على مستوى الاحتياطي، وخاصة خلال السنوات الماضية مقارنة بما كانت عليه قبل عام 2017.
علما أن المستوى الحالي للاحتياطي الأجنبي لدى المركزي التركي (46 مليار دولار في آذار 2021) يعتبر مستوى افضل مما كان عليه حينما وصل إلى 36 مليار تقريبا في سبتمبر عام 2020.
ولكن الحديث الآن يدور عن مستويات منخفضة تصل إلى 35 مليار دولار أمريكي.
أما عن الكارثة الأخرى والتي يمكن أن تشير إلى استمرار انهيار الليرة التركية ، فتتعلق بسداد الديون الخارجية.
فبحسب موقع middleeasteyeونقلا عن وكالة بلومبيرغ، فإنه يتعين على الشركات التركية والحكومة سداد ديون خارجية بعملة الدولار بقيمة 13 مليار دولار خلال الشهرين القادمين.
بل إن المشكلة تتمثل في أن 8 مليارات من المبلغ السابق، واجبة السداد في نهاية الشهر الحالي.
لماذا يريد الرئيس التركي تخفيض أسعار الفوائد؟
يتحدث الرئيس التركي عن تخفيض أسعار الفوائد، ومدى الفوائد التي ستنجم عن ذلك، وتحديدا على صعيد:
زيادة النمو الاقتصادي.
تخفيض البطالة.
تحفيز الصادرات بسبب انخفاض العملة المحلية.
حيث قال وزير التجارة التركي محمد موس ، الأربعاء الماضي:
“إن الناتج المحلي الإجمالي التركي ارتفع بنسبة 21.7% في الربع الثاني من هذا العام ، بعد زيادة بنسبة 7.2% في الربع الأول.”
كما أكد على تحسن الصادرات حينما قال:
“إن الصادرات وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 181.8 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من العام ، بزيادة 33.9% مقارنة بالعام الماضي”.
بينما تحدث عن معدلات البطالة، قائلا:
“انخفض معدل البطالة بنسبة 1٪ في سبتمبر من 12.7٪ إلى 11.5٪ على أساس سنوي.”
بالنتيجة؛
فإن ما تم سرده سابقا، يشير إلى العوامل التي أدت، ويمكن أن تؤدي إلى مزيد من ضعف الليرة التركية.
كما تم عرض الأسباب التي تؤدي إلى قيام الرئيس التركي بتخفيض أسعار الفوائد.
إلا أن الخبراء والمراقبين، يحذرون من أن انخفاض قيمة الليرة التركية، سيزيد من أعباء المواطن التركي العادي.
حيث سيكافح في ظل انخفاض قيمة مدخراته مقابل العملات الاجنبية، وذلك بالتزامن مع ارتفاع مضطرد في اسعار السلع الأساسية.
فقد قفزت أسعار المواد الغذائية الأساسية في تركيا بنسبة 70%، وفقا للاحصاءات الرسمية التركية.
بينما ارتفعت أسعار الكثير من المواد الأخرى، مثل الدجاج والبيض، والزيت والألبان، وغيرها.
أما على مستوى الفقر،
فقد ارتفع الحد الأدنى لمستويات الفقر، لتصبح عند 950 دولار (10 آلاف ليرة تقريبا) خلال الشهر الماضي.
أي أنه أعلى بكثير من الحد الادى الصافي للأجور والبالغ 269 دولار (2825 ليرة تقريبا).
وهي نسبة يجب على الرئيس التركي أخذها بعين الاعتبار، خاصة وأن بعض الإحصائيات تشير إلى أن 42% من العمال الأتراك لا يحصلون إلا على حد أدنى رسمي للأجور.
كما يجب الانتباه إلى أسعار المساكن، والتي ارتفعت بنسبة 30%، وتحديدا في المدن الرئيسية مثل اسطنبول وأنقرة.
مصادر البيانات الاقتصادية الواردة في المقالة السابقة والتي اعتمدت بشكل رئيسي على موقع middleeasteye، جاءت على النحو الآتي:
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية