حيثُ يؤكدُ التاريخُ أن الاقتصاد الفلسطيني قد تعامل مرّات عديدة مع الإغلاقاتِ في ظل ظروفٍ سياسيةٍ معقدة، وتحديدا في فترات الانتفاضة الأولى، وما حملته الانتفاضة الثانية من إغلاق عام جرّاء الحصار والاجتياح.
وإذا أردنا مقاربة الإغلاق الذي حدث في الاقتصاد الفلسطيني بداية العام الحالي جرّاء كورونا، فإن الإغلاق الذي حدث إبّان الانتفاضة الثانية سيعتبر دليلا استرشاديا لما سيكون عليه الحال إذا ما تم الإعلان عن إغلاق اقتصادي آخر في الأراضي الفلسطينية.
أثر الإغلاق على الاقتصاد الفلسطيني في الانتفاضة الثانية:
لقد كان الإغلاق الذي جرى في العام 2002 أطول إغلاق ضرب الاقتصاد الفلسطيني وقطاعاته منذ العام 1967.
حيث عاش الاقتصاد الفلسطيني أكثر فتراته ظلاما وسوءا في تلك الفترة، والتي أسفرت عن الكثير من الأضرار والخسائر كان أهمها:
1. انخفاض الناتج المحلي بنسبة 55% .
2. ارتفاع معدل البطالة بشكل كبير وصل إلى 50%.
3. ارتفاع الدين العام.
4. خسارة القطاع الزراعي مبالغ ضخمة وصلت إلى أكثر من مليار دولار.
5. تراجع قطاع السياحة بشكل رهيب مع تعطل النشاط الفندقي.
6. تراجع القطاع التجاري بنسب كبيرة؛ حيث تراجع الصادرات بنسبة 60% والورادات بنسبة 35%.
7. زيادة الضغوطات على القطاع الصحي، وتراجع عمليات التنمية الخاصة به.
وعديدة هي الآثار السلبية سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو النفسي، إلّا أن المقاربة هنا ستكون متشابهة في أمرٍ معين، ومختلفة في أمر معيّنٍ وجوهري آخر.
أوجه الشبه بين المقاربتين –الإغلاق جرّاء الانتفاضة الثانية والإغلاق جرّاء الفايروس-:
على صعيد وجه التشابه بين المقاربتين، فنحن نتحدث عن الحالة الاقتصادية التي سبقت الإغلاق؛ حيث جاء الإغلاق الماضي في بداية الألفية الحالية في ظل محاولة الاقتصاد الفلسطيني النهوضَ والتخلص من الآثار الاقتصادية السيئة والتي طمح الكثيرون في تغييرها عبر المحاولات والمشاريع والانفتاح على الخارج وتطوير البنية الداخلية.
وهذه الحالة تتكرر في الوضع الحالي؛ حيث دخل الاقتصاد الفلسطيني العام 2020 وهو في حالةٍ سيئة على صعيد البطالة، والاستثمار الأجنبي، وتراجع قطاعات بعينها على رأسها قطاع السياحة والصناعة لصالح قطاع التجارة (وخاصة تجارة التجزئة) وقطاع الخدمات، ناهيك عن مشاكل قطاع الزراعة المستمرة، إلى غيرها من المشاكل.
وإذا ما اردنا إسقاط الآثار السلبية التي ترتبت على الإغلاق في ظل الاجتياح والتي ذكرناها في البداية، فإن الآثار السلبية للإغلاق الحالي على الاقتصاد الفلسطيني لن تكون أقل خطورة وضررا، وخاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة لمختلف الدول، الأمر الذي سيحدُ من قدرة الآخرين على التدخل وتقديم المساعدات اللازمة.
ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية السيئة التي ستزداد سوءاً أكثر مما مضى والتي تفوق ما كان موجودا قبل بداية الألفية الحالية.
أوجه الاختلاف في المقاربتين:
على الرغم من أن الإغلاق الماضي كان الأطول، إلا أن الآمال المنعقدة على انتهاءه كانت موجودة، وذلك لأن الإغلاق مرتبط بقرار سياسي وقدرة معينة للحصار الذي فرض هذا الإغلاق، وبالتالي فإن الشعب الفلسطيني كان لديه بصيص أملٍ في انتهاءه مهما طال، ناهيك عن قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود آنذاك وعدم القدرة على كسر إرادته.
أما في الوضع الحالي فإن الإغلاق مرتبط بوضع عالمي اقتصادي متدهور، إضافة إلى أنه إغلاق مبني على وضع صحي غير محدد المعالم والمدة.
ناهيك عن أن الإغلاق بحد ذاته لا يتم بالصورة الأمثل للتعامل مع الوضع الصحي لإدارته وضبطه بسبب معطيات مختلفة.
هذه كانت نبذة مختصرة عن تأثير الإغلاق على اقتصاد فلسطين وكيف أن التاريخ يعيد نفسه.
بل إن التاريخ قد يعيد نفسه بصورة أشد إيلاما في حال امتد الإغلاق دون حلول صحية واقتصادية وإدارية ناجعة.
حيث قد تمتد هذه الآثار إلى زيادة البطالة بنسب هائلة، ناهيك عن زيادة نسبة الفقر، وما سيترتب عليه من إغلاقات للمشاريع الفردية المتوسطة والصغيرة.
إلى ما إلى ذلك من حدوث مشاكل على صعيد العملية التعليمية التي ستكون أول المتضررين بسبب عدم الاستمرارية أو الاستقرار النسبي.
بل إن هذه المشاكل قد تمتد إلى شرائح كبيرة من الموظفين العموميين (الحكوميين) وموظفي القطاع الخاص والذين سيُنظر لهم بعين التكلفة لا الإيراد من قبل المؤسسات وأصحاب العمل المتضررين أساسا.
وهذه الآثار المذكورة كأبرز المشاكل، قد تؤدي إلى مشاكل اجتماعية لا يُحمد عقباها مما يهدد بالمشاكل الأمنية الداخلية بشكل لا يُحمد عقباه.
هذا كله يدفع إلى ضرورة التفكير مليّا قبل فرض الإغلاق، بل التفكير بآلية الإغلاق وطريقة حدوثه بشكل يُجبر الجميع على التقيد به كي يكون إغلاقا محدد المدة وناجح إلى حد ما في التعامل مع الوضع الصحي الصعب والاقتصادي الأصعب.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية