كيف كان تاريخ عملة اليورو ؟
لقد كتب التاريخ حروباً ضارية وشرسة دارت رحاها بين دول أوروبا؛ فهذه الرقعة الجغرافية الممتدة تحمل بين طياتها تاريخا وأعراقا وصراعات دامت قروناً عدة، تزاحمت فيها العداوات وتصاعدت فيها لغة الخلاف، ثم تلاقت الرغبات على إنشاء وُحدةٍ شاملة تبدأ من الحيز الاقتصادي على أمل أن تنطلق خيوطها وتمتد في جسد الشعوب المتناحرة المختلفة لتصبح شعباً نخبوياً واحدا، فجاءت صيغة الاقتصاد الواحد والعملة الموحدة.
رمزية عملة اليورو:
عملة اليورو التي هدفت إلى توحيد منطقة أوروبا كاملة، اتخذت رمزها من الحرف اليوناني €، أما الخطان الأفقيان فقد وُضعا للدلالة على الثبات والاستقرار، وقد جاءت الخطوة الأولى في مشورا هذه العملة الموحدة في العام 1950 حينما دعت فرنسا إلى دمج دول أوروبا في منظمة سياسية واحدة آملة في خلق كيانٍ مُوحد، وذلك بعدما أكد الكثير من علماء الاجتماع والفلاسفة على أن الوحدة هي مصدر القوة من جانب ودليل على عدم الانجرار في آتون حرب عالمية جديدة من جانب آخر.
التسلسل التاريخي لعملة اليورو
ويُمكن اعتبار دعوة فرنسا بمثابة بذرة تأسيس الإتحاد الأوروبي في وقت لاحق، حيث جاءت السوق الأوروبية المشتركة بعد هذا الاجتماع، والتي كان من أهدافها توحيد العملة عبر انشاء الجماعة الأوروبية للتنسيق النقدي، وذلك عبر اتفاقية روما التي وُقعت عام 1958، وخلال عشرين عامٍ من الجهود تم تأسيس العملات الأوروبية والتي كانت تستخدم كأساس لحساب العملة الأوروبية والتي كانت تسمى في ذلك الوقت بعملة (الإيكو)، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي وانهيار الأحزاب الشيوعية تم توقيع معاهدة (ماستريخت) والتي حددت شروط الانضمام للاتحاد الاوروبي الجديد للدول الجديدة والوليدة في منطقة أوروبا ثم تلاها قرار بإزالة كامل العوائق أمام تدفق السلع والأفراد والخدمات وتدفق رأس المال بين بلدان الاتحاد الاوروبي، وفي ديسمبر من عام 1995 وافق الاتحاد الاوروبي على اطلاق اسم (اليورو) على عملتها الموحدة واسم (السنت) على فئاتها الأصغر، ثم تلاها بعد ذلك في العام 1997 موافقة الأعضاء على التصميم الرسمي للأشكال المختلفة لعملية اليورو الورقية برموز ورسوم هندسية تاريخية، وخريطة وعلم لأوروبا، أما المعدنية فيحمل وجهها الأول رمزا أوروبيا عاما، في حين يحمل الوجه الثاني رمزا محليا للدولة، وهو ما لم يُقنع بعض علماء التاريخ والفن والفلاسفة الذين وجدوا أن حفاوة الأوروبيين بالعملة الجديدة وعدم الشعور بالأسف على العملات الوطنية هو ثورة ثقافية على المبادئ القومية.
ومنذ عام 1999 وحتى 2002 تم التحول بصورة جزئية إلى التداول بعملة اليورو اختياريا إلى جانب العملات المحلية وأطلق على هذه المرحلة (بمرحلة التعامل المزدوج)، ليتكلل مشوار اليورو الطويل في العام 2002 وذلك حينما أصبح العملة الرسمية ل12 دولة يبلغ تعداد سكانها 300 مليون نسمة، وتم اعتبار هذه العملة المنافس الرئيسي الأول لعملة الدولار، وعلى مدى هذه السنوات لم يسلم اليورو من مواجهة أزمات مالية مثل الأزمة التي مرت عام 2008 وأزمة اليونان الاقتصادية والتدخلات الاقتصادية الأمريكية لجعل الاتحاد الاوروبي اتحادا ورقيا أو صوريا، ولكن وبعيدا عن المعادلات السياسية المُعقدة في الداخل الأوروبي أو الخارج الدولي.
ونبقى تجاه اليورو أمام تجربة لها أكثر من نصف قرنٍ من الزمان -لها ما لها وعليها ما عليها-، بل إنها جهود نالت شرف المحاولة في إعادة إحياء ماضيها.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية