قبل عامين من الآن، قرر الاقتصاد الأمريكي، فتح أبوابه، وتحديدا عام 2021، وهو ما دفع إلى عودة الشركات للانتاج، في ظل نقص الامدادات من جانب، وحرص المستهلكين على الانفاق من جانب آخر، وهو الانفاق الذي اعتاد عليه الأمريكيون خلال فترة الوباء، وذلك من خلال ما تم تقديمه لهم من حزم نقدية، تخطت حجم 5 تريليونات دولار أمريكي، وهو ما كان يمهد الطريق نحو تضخم سينفجر في نصف عام 2022، وهو ما حدث بالفعل، والآن وبعد رحلة ممتدة على مدار أكثر من عام من محاربة هذا التضخم، تبرز العديد من المعضلات و تحديات الفيدرالي الأمريكي في محاربة التضخم وإعادته للمعدل المستهدف.
وقبل الدخول في التفاصيل؛
فإن هذه المقالة قد تبدو متخصصة بعض الشيء، وتستهدف تسليط الضوء على تحديات الفيدرالي الأمريكي في محاربة التضخم.
لذا فإن قراءتها ستحتاج إلى متابعة حثيثة لما ستخرج به لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية FOMC الأسبوع المقبل.
كما ستحتاج إلى متابعة كل المؤشرات التي تتعلق بالتضخم من جانب، والمعطيات التي تغذي التضخم من جانب آخر.
التفاصيل: تحديات الفيدرالي الأمريكي في محاربة التضخم!
المعضلة الأولى: التضخم عنيد! والقدرة على تغذيته مستمرة!
لقد أظهرت المؤشرات التي تقيس التضخم بأنها ما زالت تتباطؤ إلى المستويات المطلوبة بشكل ضعيف وعنيد.
كما أن المؤشرات التي تتعلق بقدرة الأفراد على الانفاق، ما زالت تشهد قوة لا يستهان بها.
حيث الأجور ما زالت مرتفعة، والتوظيف، ورغم عمليات التسريح، ما زال جيدا، ومعدلات البطالة عند مستويات جيدة، ايضا.
وهنا فإن صناع السياسة النقدية أمام مشكلة من شقيّن، وهما:
– تضخم عنيد.
– قدرة على تغذية التضخم وتحمل الاسعار المرتفعة من قبل الأفراد رغم جهود القضاء على التضخم.
حيث إن هذه المعضلة قد تدفع الفيدرالي على وجه الخصوص، ومعه الكثير من البنوك المركزية إلى الاندفاع نحو مزيد من الزيادات المستمرة في الفوائد.
وهنا تبرز المناقشات والتحليلات حول مسار الفوائد التي يمكن ان تلتزم بها البنوك المركزية.
حيث يتم الآن وبشكل شبه مؤكد تسعير الفائدة القادمة الاسبوع القادم بمقدار ربع نقطة مئوية.
بينما يتمحور الأمر الأهم، حول حديث الفيدرالي عن المسار المستقبلي ورؤيته لما يجري على صعيد الاقتصاد.
المعضلة الثانية: الطمع بمزيد من الارباح!
على الرغم من أن معركة الفيدرالي تبدو أنه ضد التضخم في صورتها العامة والمباشرة، إلا أن هناك مشاكل أخرى.
حيث إن العمل على تخفيض الأسعار بحاجة إلى اقناع الشركات المنتجة بتخفيض توقعاتها للأرباح وفقا لبيانات رويترز.
وهو الأمر الذي قد يبدو صعبا للغاية، خاصة وأن الشركات استطاعت تحقيق ارباح خلال عام 2022 أعلى مما كانت تحققه أعوام 2019 و 2020.
المعضلة الثالثة. تضخم يجب هزيمته، ونمو يجب المحافظة عليه!
لقد اعتادت الشركات وخلال العامين الماضيين على تحقيق ارباح أعلى مما كانت تحققه خلال الأعوام 2019 و 2020.
وهنا يبرز التحدي في إقناع الشركات بأسعار منخفضة وأرباح أقل، في ظل ارتفاع مخاوفها من ركود محتمل.
حيث باتت الشركات تسارع في عمليات التسريح لعشرات الآلاف من الوظائف التي تتحجج بأنها كانت الوظائف التي تمت إضافتها خلال الوباء، وأنها لم تعد بحاجتها في ظل الظروف الحالية.
وهذه المخاوف، تبدو أمرا طبيعيا في ظل:
– الفوائد التي ما زالت ترتفع.
– الأزمة المصرفية التي مازالت تحوم حول الجميع.
– تراجع نمو الناتج المحلي الاجمالي للربع الأول إلى 1.1% مقارنة بنسبة 2.6% للربع الرابع من العام الماضي.
وهذا يعني ان الفيدرالي سيكون أمام حلين، أحلاهما مر:
إما أن يتم محاربة التضخم حتى لا يصبح ارتفاع الاسعار أمرا نمطيا في الاقتصاد الأمريكي.
بينما يكمن الحل الثاني في تحقيق النمو على حساب التضخم الذي لن يتحمل خطأ آخر في تأجيل محاربته.
المعضلة الرابعة. مكونات التضخم التي يجب مراقبتها!
لطالما اشتكى رئيس الفيدرالي من أن التضخم ما زال مرتفعا على صعيد هذين الأمرين.
وهذا ما يدفع إلى ضرورة التركيز الاسبوع المقبل على حديث الفيدرالي إزاء رؤيته لاسعار المساكن والخدمات.
كما يجب إعادة التنويه إلى المشكلة التي ذكرتها في المقدمة.
حيث هي المشكلة القديمة التي ساهمت كثيرا في الحفاظ على قدرة الإنفاق لدى الأفراد.
وهي القدرة التي تكونت خلال عام الوباء، من خلال الحزم التي لجأت الحكومة لضخها للحيلولة دون وقوع الاقتصاد في الركود بسبب تراجع الانتاج والعمل خلال فترة الإغلاق.
حيث قال مايكل مكراكين ، مساعد نائب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس:
“إن المدخرات بمئات المليارات من الدولارات التي تغذي التضخم، والتي تراكمت خلال الوباء تحتاج إلى وقت كبير لتختفي”.
بينما يغذي ارتفاع الأجور وفقا للمؤشرات هذه القدرة الشرائية، وهو أمر ما زال بحاجة إلى وقت طويل نسبيا لمعالجته.
في النتيجة؛
فإن التحديات الماضية، ستمثل استنتاجا مبدئيا بأن الفوائد، إما أنها ستبقى في المستويات الحالية المرتفعة.
أو أن هناك المزيد من الفوائد على الطريق حتى وإن حدث تعليق مؤقت لها من قبل الفيدرالي.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية