بادئ ذي بدئ أود أن أذكر الجنس البشري بأسره، بأن ما أحمله من قناعات أقوم ببنائه على مدار الأسبوع وفقا للأخبار والبيانات ومجريات الأحداث، وأن الرأي الشخصي لا يمثل عندي أي شيء ما لم يستند إلى هذه الأمور، وأن تحليلي لا يعد إرشادا لسلوك مالي معين، فكل شخص يمتلك مالا وأهدافا واحتياجات وقدرات وصفات شخصية تتباين بين الشجاعة والذعر، لذا وجه التنبيه، والآن مع تحليل اداء الدولار الأمريكي .
بدأ الاسبوع الماضي، وكانت كل الأعين ترقب تحليل اداء الدولار الأمريكي وكأنه سينهار بشكل عجيب دون سبب موجب، وإن كان السبب الوحيد الذي رأيته مقنعا كان متمثلا بتصاعد وتيرة الاعتراض على التشريعات القضائية فيما يعرف باسرائيل، وهذا الأمر الوحيد الذي اشرت إليه في مقالة سابقة، وتحدثت بأنه سيكون حقيقة ولكن ضرورة التنازل عن التشريعات وليس دفع الحكومة إلى الاستقلالة أو إقالتها، فهذا أمر غاية في الصعوبة على الشيكل آنذاك.
ثم بدأت الأرقام والبيانات الاقتصادية الأمريكية بالظهور، والتي اشارت إلى أداءات جيدة لأسواق المالي وليس الدولار.
وبدأت التراجعات الطبيعية دون مستويات 3.60 والتي ما زلت أرى ان كل هبوط هو سبيل لتكوين مركز شراء.
ولكن وكعادة أغلب المتداولين (المضاربين وليس المستثمرين) كانوا ينتظرون الهبوط إلى مستويات وعدهم بها بعض المهرطقون.
فكان الحديث عن مستويات دون خمسين، وهناك دون الاربعين، وهناك دون الثلاثين.
ولكن وإحقاقا للحق فهي ليست مستويات مستحيلة، ولكن الاستحالة هنا تكمن في مسألة الهبوط الحاط السريع جدا.
وهذا كان حال سوق الدولار الأمريكي، الذي يظن البعض بأن بيانا سيغير مساره، وكأن المسألة بهذه السولة، لكان بيننا مئات بيل غيتس وإيلون ماسك.
الآن دعونا منهم، ولنتحدث بالمنطق قليلا.
الدولار الأميركي الآن ينتظر الاجتماع القادم يوم الاربعاء، والذي تشير التوقعات إلى عملية رفع أخيرة .
حيث ستصل الفوائد بذلك إلى مستويات كانت عليها قبل حدوث الأزمة المالية العالمية عام 2007.
وقد يظن البعض أن رفع الفوائد يعني أن ندفع بقيمة الدولار إلى الأعلى، ولكن ذلك كالعادة ليس شرطا.
فالأهم هو حديث لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة FOMC التي عبثا دائما ما تشير إلى أن مسار الفوائد الصاعد لن يتوقف قريبا.
ولكن الحالمين بانهيار الدولار، لن أحرمهم حقهم أبدا، احلموا بشكل كبير، فلربما قد حان انتهاء مسرحية التشريعات القضائية.
بينما يبرز السؤال عندي، هل انتهت كل معطيات الدولار الأميركي؟
وهل دمرت كل المحاولات الحالية قيمة ومكانة الدولار الأميريكي؟
كما وهل انتهى عصر اعتبار الدولار كملاذ آمن؟
وحتى وإذا أجبنا على السؤال الماضي، ما هو حال المؤشرات الاقتصادية الأخرى؟
اقصد تكاليف الاقتراض على الشركات، هل انخفض دون 2% التي كانت قبل الوباء؟
كما وكيف حال مؤشرات اسواق العمل التي ما زالت قوية وتدعم رفع الفوائد بشكل مفاجئ؟
بينما سؤالي الأخير ماذا بالنسبة للتوترات الجيوسياسية التي قد تنعكس بشكل أو بآخر لإعادة التضخم لمستويات مرتفعة؟
هذه الأسئلة لا أطرحها من باب الانكار، وانما اطرحها من باب اليقين، بأن في القصة بقية.
فكثيرة هي المؤشرات الاقتصادية التي ما زالت تشير إلى أن الاقتصاد الأميركي في حالة ركود أو ركود قادم.
كما أنها كثيرة المؤشرات التي تتحدث عن بقاء الفوائد مرتفعة عند مستويات طيبة.
وبناء على ما سبق، فإنني ما زلت أرى أن مسألة انهيار الدولار الأمريكي الذي يتم الحديث عنه الآن هي أمر مستبعد.
ولكن وإن حدث، يبقى السؤال، هل انت تنتظر الهبوط الحاد، أم انك بدأت ببناء مراكز للوصول إلى سعر مرجح منخفض؟
في النهاية، ادعوكم لقراءة خبر عن مؤشر ريادي يتحدث عن استمرار انكماش الاقتصاد الأميركي اضغط هنا فقط.
وراجو التفريق بين الدولار كعملة اميريكية، وعملة نستجديها دائما إن شئنا أم شئنا
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية