تساوى الدولار الأمريكي مع العملة الاوروبية الموحدة للمرة الأولى منذ عام 2002، وهو ما أعاد إلى الذاكرة الانطلاقة الصعبة للعملة الموحدة بداية القرن الحالي، وذلك حينما كان العالم غير مقتنع بهذه العملة الجديدة، وفيما يلي سنشير إلى أثر تعادل اليورو والدولار على منطقة اليورو والاقتصاد العالمي.
وعلى الرغم من الانطلاقة الصعبة للعملة الموحدة، إلا أنها تشكل الآن خُمس احتياطيات النقد الأجنبي العالمي، وربع إصدارات السندات العالمية.
إلّا هذه الأهمية لم تمكّن هذه العملة من الصمود في ظل الحرب الروسية وتداعياتها على مختلف المفاصل الاقتصادية في منطقة اليورو.
ويقول المحللون إن تدهور اليورو الآن سيزيد من الآلام الاقتصادية في منطقة اليورو التي تصارع التضخم أساسا.
حيث قال آلان روسكين ، كبير المحللين الاستراتيجيين الدوليين في دويتشه بنك:
“هناك شعور بأن اقتصاد منطقة اليورو لن يكون قوياً بما يكفي وسيكون جزءًا من التباطؤ العالمي”.
و تعادل اليورو والدولار خلال تعاملات الثلاثاء، وذلك بعدما كان يساوي 1.19 دولارا في مثل هذا الوقت من العام الماضي.
حيث ترتفع المخاوف الاقتصادية في منطقة اليورو جراء مخاوف قطع روسيا لإمداداتها من الغاز المتوجه إلى أوروبا.
وهو ما سيقود إلى تقنين الطاقة وإحداث ركود مؤلم في جميع أنحاء المنطقة الأوروبية الموحدة التي تضم 19 دولة.
بينما قالت كيت جوكس ، محللة العملات في بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي:
“واصلنا شراء الدولار عندما بدأنا نشعر بالقلق من أن الهبوط الاقتصادي العالمي قد يكون أصعب ، وليس أكثر ليونة”. “
فيما أشارت إلى اليورو باعتباره عملة منطقةٍ اقتصاديةٍ معرضة لألم اقتصادي حاد، رغم الحجم الذي تمثله هذه العملة للنظام النقدي.
ولم يرتفع الدولار مقابل اليورو فقط، بل ارتفع مقابل معظم العملات على خلفية سلسلة من ارتفاعات اسعار الفائدة من قبل الفيدرالي.
حيث قال ديرك شوماخر ، رئيس قسم أبحاث الاقتصاد الكلي في أوروبا في Natixis:
“لا تزال السياسة النقدية في الولايات المتحدة تدفع اليورو للانخفاض في هذه المرحلة أكثر مما يفعله البنك المركزي الأوروبي”.
ليؤكد شوماخر بأن الاحتياطي الفيدرالي هو المحرك الرئيسي لليورو.
كما انخفض اليورو مقابل سلة من العملات الرئيسية بنسبة 1.6% منذ مطلع العام، وهي السلة التي تزن 42 عملة.
ولا يعتقد المحللون أن يكون المركزي الاوروبي جريئا كما هو الحال مع الفيدرالي الأمريكي.
حيث قال روبن بروكس ، كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي:
“إن تجار العملات يراهنون على حدوث انكماش حاد في وقت لاحق من هذا العام وهو ما سيمنع البنك المركزي الأوروبي من رفع أسعار الفائدة فوق الصفر بكثير”.
أما بنك دويتشه بنك فقد قال إن منطقة اليورو ستعاني من ضرر سلبي بقيمة 400 مليار يورو لميزانها التجاري إذا ظلت الاسعار مرتفعة واليورو منخفض القيمة.
ويقدر شوماخر أنه مقابل كل انخفاض بنسبة 10% في قيمة اليورو مقابل الدولار ، يضاف 0.2% إضافية إلى تضخم منطقة اليورو في العام المقبل.
بينما يعكس انخفاض اليورو مقابل الدولار في الغالب التحولات الدورية في الاقتصاد العالمي وليس التغيرات الهيكلية.
حيث قالت ماريا دمرتزيس نائبة رئيس مؤسسة بروجيل البحثية في بروكسيل:
“إن استمرار انخفاض اليورو يجب مراقبته، والقدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي واوروبا كاملة ستكون عرضة للتغير”.
أما عن مسألة أن العملة الضعيفة تعتبر ميزة اقتصادية للدول التي تستطيع التصدير بشكل أكبر بسبب انخفاض اسعارها، فإن هذا كان جاريا قبل أن يرتفع التضخم إلى أعلى مستوياته منذ 40 عاما في أوروبا وأمريكا الشمالية.
حيث أن انخفاض قيمة اليورو جاء نتيجة تدهور الاقتصاد الحالي وآفاقه القادمة، وليس نتيجة جهد اقتصادي موجه لتحسين الميزان التجاري.
كما أن تدهور العملة الموحدة بالتزامن مع ارتفاع اسعار الطاقة والمواد الأولية، سيدفع التجار إلى رفع اسعار السلع، وبالتالي انتشار التضخم العالمي بشكل أكبر.
تم الاستناد في إعداد هذه المقالة:
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية