ما إن قرر الفيدرالي الأمريكي رفع الفوائد على الدولار يوم الاربعاء الماضي، حتى شهد الجميع انتعاش الأسواق المالية وانخفاض سعر الدولار في السوق الفلسطيني ، وفيما يلي سنشير إلى ما حدث خلال الأيام المحمومة السابقة، وما الذي يمكن أن تنتظره الأسواق والعملة الأمريكية، وتحديدا في السوق الفلسطيني.
وقبل الدخول في تفاصيل ما حدث وما يمكن أن يحدث مع الأسواق، فإنه تجدر الإشارة إلى النتائج التي توصلت إليها المقالة الحالية المبنية على التحليل الأساسي فقط.
النتائج المباشرة التي توصلت إليها هذه المقالة:
يلاحظ مما سيتضح في هذه المقالة التي استندت إلى الحليل الأساسي التوصل إلى النتائج التالية:
-
تصرفت الأسواق المالية والنقدية بشكل آني مع صدور كل مؤشر مهم على حذة وتحديدا مؤشر الناتج المحلي الاجمالي واحد مؤشرات التضخم المهمة.
-
لم يكن اداء الأسواق المالية مبنيا على توقع يقيني حول قرار الفائدة القادم، نظرا لتخلي الفيدرالي عن التوجهات المستقلية التي كانت تساعد كثيرا في توقع الزيادات في الفوائد.
-
إن الارتفاعات أو الانخفاضات على سعر الدولار في السوق الفلسطيني ما كانت إلا ردّات فعل مؤقتة وسريعة لمسار الأسواق المالية الأمريكية التي يبدو أنها ترتفع بشكل غير مبرر أو غير مضمون.
-
يتضح مما سيرد في هذه المقالة توقع المحللين مسألة ارتداد اسواق الأسهم والتي ما إن ستحدث فإنها ستقود إلى ارتفاعات اسعار صرف الدولار.
-
التحسن الملحوظ على سعر صرف الدولار الأمريكي ستحتاج إلى وقت قد يمتد حتى نهاية الشهر القادم، وذلك حتى اتضاح موقف وواقع اقتصاد الشيكل وقرار الفائدة عليه نهاية شهر آب.
التفاصيل:
سنقدم هذا المقال التفصيلي عبر طرح أسئلة لتوضيح ما حدث، وما يمكن أن يحدث مع الأسواق المالية، مع توضيح الأسباب وفقا للتحليل الأساسي.
أولا. ما الذي حدث يوم الاربعاء مع الأسواق المالية؟
لقد خرج رئيس الفيدرالي بعد قرار رفع الفائدة بمؤتمر صحفي، ليعتقد البعض من خلال تصريحاته أنه لن يتم رفع الفوائد بوتيرة عالية.
لتندفع الأسواق نحو تسجيل أكبر ارتفاع لها على الإطلاق، وبنسبة ارتفاع بلغت تقريبا 4% طالت مؤشر S&P500 في يومين.
بينما ارتفع هذا المؤشر بنسبة 4.3% للأسبوع و 9.1% في يوليو، وهو أفضل تقدم شهري منذ نوفمبر 2020.
ولكن الدولار الأمريكي ارتفع وتجاوز 3.43 شيكل للدولار الواحد، وذلك قبل بيان الناتج المحلي الاجمالي يوم الخميس.
ثانيا. ما الذي حدث يوم الخميس مع الأسواق بعد بيان الناتج المحلي الإجمالي؟
يبدو أن المتعاملين ارتفع الظن لديهم يوم الخميس بأن الفيدرالي سيخفض من وتيرة رفعه للفوائد خلال الشهور الثلاثة القادمة، وأن يبدأ بتخفيض الفوائد العام المقبل.
وهو الظن الذي بدا وأنه مشروع بالنسبة لهم، خاصة بعدما أشار بيان الناتج المحلي الإجمالي إلى انكماش الاقتصاد الأمريكي للربع الثاني على التوالي بنسبة 0.9%-.
وهو ما جعلهم شبه متأكدين أن الفيدرالي لن يرفع الفوائد بشكل كبير، حتى لا يدفع الاقتصاد نحو ركود عميق.
حيث ارتفعت الشهية نحو المخاطرة، والتوجه نحو أسواق الأسهم التي تقدم عوائد أعلى مقارنة بالعوائد التي قد تقدمها العملات.
وقد انخفض سعر صرف الدولار الأمريكي بعد صدور بيان الناتج المحلي الإجمالي في السوق الفلسطيني تحديدا، وذلك بعدما ارتفعت مؤشرات اسواق الأسهم الأمريكية.
وذلك للنمط التقليدي الذي يشير إلى أن تحسن اداء الأسواق المالية يدفع المستثمرين المؤسساتيين إلى الاقبال على الشيكل، وبالتالي انخفاض سعر صرف الدولار.
إلا ان هذا الانخفاض والذي وصل إلى ادناه بشكل مؤقت ، يوم الجمعة، والذي وصل إلى 3.38-3.39، لم يستمر طويلا.
وذلك أن الأسواق كانت في طريقها نحو اختبار مؤشر مهم آخر سيصدر في منتصف ساعات يوم الجمعة.
ثالثا. ما الذي حدث يوم الجمعة؟
فاجئ مؤشر اسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي الأسواق حينما ارتفع على أساس سنوي ليبلغ 4.8%، وعلى أساس شهري بنسبة 0.6%.
وهي الارتفاعات التي جاءت أعلى من التوقعات، الأمر الذي يشير إلى أن التضخم الأساسي لن يسير بشكل سلس كما يرغب الجميع.
وهو ما قاد إلى تماسك سعر الدولار بعض الشيء، وذلك أن هذا البيان أعطى مؤشرا خطيرا للتضخم الأساسي القادم في أمريكا.
الآن! الذي سيحدث مع الأسواق خلال الشهور القادمة؟
قبل الدخول في آراء المحللين المحبطة للأسواق المالية، فإنه يجب الإشارة إلى الأمور الآتية:
أولا. أكد الفيدرالي على أنه سيقوم باتخاذ قراره برفع الفوائد بناء على البيانات الفعلية بعد صدورها.
ثانيا. أكد الفيدرالي على مسألة تخليه عن التوجيهات المستقبلية التي كان يشير من خلالها إلى حجم الزيادة القادم على الفوائد.
ثالثا. تعاملت الأسواق مع بيان الناتج المحلي الإجمالي كردة فعل، ثم تعاملت بنفس النمط مع بيان مؤشر اسعار نفقات المستهلك، وهو ما يجعل من التذبذب أمرا قائما حتى اتضاح كامل المؤشرات المهمة التي سنذكرها في هذه المقالة.
وبناء على النقاط الثلاثة السابقة، فإنه قد تم الاعتماد على الآراء التي دعت المستثمرين إلى ضرورة الحذر من مستقبل الأسواق قريبا.
ما الذي تنتظره الأسواق المالية؟
ستواصل الأسواق المالية ردات الفعل المباشرة لكل بيان اقتصادي سيصدر تباعا، سواء فيما يتعلق بالدولار الأمريكي أو الشيكل.
حيث ستتم من الآن وحتى اجتماع الفيدرالي القادم في تاريخ 21/9/2022 مراقبة المؤشرات التالية:
-
فرص العمل لدى أمريكا بتاريخ 2/8/2022 والذي يتوقع انخفاضها من 11.254 مليون إلى 11 مليون.
-
معدل البطالة في أمريكا بتاريخ 5/8/2022 والذي يتوقع أن يواصل استقراره عند 3.6%
-
مؤشر التضخم الأساسي (مؤشر اسعار المستهلكين) بتاريخ 10/8/2022 والذي يتوقع انخفاضه من 9.1% إلى 8.9%.
-
مؤشر التضخم الأساسي في اسرائيل، بتاريخ 15/8/2022 والذي يتوقع ارتفاعه بشكل بسيط من 4.4% إلى 4.5%.
-
قرار المركزي الاسرائيلي حول رفع الفائدة بتاريخ 22/8/2022 دون إعطاء توقع محدد لسعر الفائدة.
وهذه المؤشرات قد تفاجئ الأسواق مثلما حدث مع كل من مؤشرات الناتج المحلي الاجمالي، ومؤشرات اسعار نفقات المستهلكين التي جاءت معاكسة للتوقعات.
كما يشير العديد من المحللين إلى ضرورة أن يبدأ المستثمرون بالتفكير بمسألة ارتداد الأسواق خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المضطربة.
حيث يقول المحللون لوكالة بلومبيرغ:
“إن الديناميكية التي يؤدي فيها ارتفاع الأسهم إلى تعقيد هدف كبح التضخم هو أحد أسباب ندرة حدوث ارتفاعات عملاقة في أوقات التشديد النقدي”.
وهذا يعني أن ارتفاع الأسواق المالية قد تؤدي بشكل عام إلى تعقيد مهمة الفيدرالي في تحجيم وتخفيض معدلات التضخم.
أما ريبيكا باترسون، كبيرة محلل الاستثمار في Bridgewater Associates:
“يجب أن يكون المستثمرون حذرين من الأسهم والسندات الأمريكية حيث لا يزال التضخم يمثل تهديدًا ويلوح الركود في الأفق”.
كما قالت باترسون:
“إن سوق الأسهم الذي انهى أفضل شهر له منذ نوفمبر عام 2020، أعطى عن طريق الخطأ ميزة الشك قي قدرة الاحتياطي الفيدرالي على هندسة هبوط سلس في أسعار الفائدة”.
وأضافت قائلة:
“يبدو أن الأسواق قد تجاهلت مسألة أن المسؤولين سيحاولون تهدئة التضخم عن طريق رفع اسعار الفائدة دون التسبب في ركود”.
كما قالت أيضا:
“اعتقد أنه سيكون من المستحيل تقريبا أن يحصل الفيدرالي على كل ما يريده أثناء سعيه للقضاء على التضخم”.
بينما قالت باترسون:
“إن الفيدرالي سيكون مضطرا إلى القيام بالمزيد من الارتفاعات لتهدئة التضخم”.
حيث استندت في تحليلاتها على عرض رأي Bridgewater أكبر شركة صناديق تحوط في العالم.
حيث قالت شركة Bridgewater:
“إن العوائد على السندات التي انخفضت بعد قرار الفيدرالي الأخير، ما هو إلا أمر مؤقت”.
وذلك أن قيام الفيدرالي الذي وعد برفع الفوائد، فقد قام بالوعد بتقليص مشترياته من السندات التي جاءت بتريليونات الدولارات بعد انطلاق الجائة.
وتقليص المشتريات من السندات سيؤدي إلى إغراق السوق فيها وزيادة المعروض منها، مما سيخفض من اسعارها، وبالتالي رفع العوائد عليها للتشجيع على شرائها.
كما قالت باترسون أيضا:
“نعتقد أنه من ستة إلى تسعة أشهر من الآن ، سنرى الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي يتراوح بين -2 و-3%”.
تم الاعتماد في إعداد هذه المقالة على المقالات والمواقع الآتية:
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية