يوما بعد آخر يثبت فايروس كورونا مدى خطورته على كافة مناحي الحياة، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو الصحي وصولا إلى الخطورة المُحتملة على مسألة الأمن الغذائي وإن كان العالم لم يصل إليها حتى الآن، وقد سارعت دول العالم إلى اتخاذ إجراءات احترازية تختلف في حدتها ومدتها، وكانت فلسطين واحدة من الدول التي فرضت الحجر الصحي المنزلي لمدة أربعة عشر يوما أتبعتهم بمدة أخرى أطول، وقد صاحب هذا الحجر ضررا كبيرا على سوق العمل الفلسطيني، والذي جاءت تركيبته على النحو التالي:
ولقد نشر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بياناً تفصيليا عن واقع العُمال في فلسطين بالتزامن مع اليوم العالمي للعمال، وأشار المركز بأن المُصنفين حسب الحالة العملية على أنهم مُستخدمون بأجر يزيدون عن 39% من إجمالي العمال الفلسطينيين، أي تصل أعداهم إلى 390,700، يقع أغلبهم في الضفة الغربية، وتعمل غالبية هذه الفئة من الُعمال في نشاط الخدمات في القطاع الخاص، ثم في نشاط المطاعم والفنادق والتجارة بنسب كبيرة، يليها قطاع الصناعة بنسبة لا تزيد عن 18%، وباقي العُمال بأجر يتوزعون على أنشطة البناء والزراعة والنقل والتخزين.
أما فيما يتعلق بمعدل الأجر اليومي الحقيقي للمستخدمين بأجر في القطاع الخاص، فقد أكد الجهاز المركزي على أنه يبلغ 86 شيكل في فلسطين أي (25 دولار أمريكي)، حيث سجل معدل الاجر الحقيقي في الضفة الغربية مبلغ 112 شيكل (32 دولار) في حين سجل معدل الأجر في قطاع غزة 40 شيكل (11 دولار)، وقد وضح الجهاز أن معدل الأجور يرتفع في النشاط الخدمي في القطاع الخاص وينحدر وصولا إلى النشاط الزراعي.
إن الوضع الذي فرضه فايروس كورونا من إغلاق جبري لمنع تفشي الوباء بين صفوف الفلسطينيين، يضع الاقتصاد الفلسطيني أمام اختبار مُرَكَبٍ حقيقي، فمن جهة يجب العمل على ضرورة فحص الجاهزية الحقيقية على مختلف الصُعد للاستعداد المستقبلي ضد أي حادثة مشابهة أو مماثلة، ومن جهة أخرى يجب العمل على إعادة ترتيب الأوراق على طاولة العمل الفلسطيني؛ ففي الوقت الذي طال فيه الشلل أنشطة الخدمات والفنادق والتجارة، فإن النتيجة كانت طبيعية في تضرر الآلاف من التُجار والعمّال، وخاصة العمّال بأجر يومي والذين يصل أعدادهم إلى الآلاف، والذين يمتد الضرر الواقع عليهم إلى الأفراد الذين يعولونهم، وما يترتب على هذا الضرر –لا سمح الله- من تأثيرات سلبية على البنية الاجتماعية إلى جانب البنية الاقتصادية.
إن المتأمل في الواقع الصعب، يجد أن الحديث عن تحسين واقع العمال الفلسطينيين ونحن ما زلنا نرزح تحت وطئة الفايروس قد يكون صعبا، ولكن هذه الصعوبة لا تحول دون التفكير في الحلول العملية في ظل هذه الجائحة التي أثرت على الكبير قبل الصغير، ومن هذه الحلول:
أولا. تفعيل شبكة التكافل الاجتماعي المجتمعية، لمساندة الطبقات مختلفة وطبقة العمال بأجر يومي.
ثانيا. تكثيف الدعم الحكومي عبر التسهيلات المختلفة، والتخفيضات الضريبية بنسبة مدروسة لتنشيط القطاعات الاقتصادية التي يعمل ضمنها طبقة العمّال، وذلك بالتأكيد على ضرورة الالتزام بآليات السلامة (والسويد لدينا أكبر نموذج واختبار).
ثالثا. تفعيل سياسة تخفيض هامش الأرباح التي يتم تتقاضاها المؤسسات الخدمية من المواطن (كمثال وليس على سبيل الحصر)، وذلك لتمكين المواطن من سد التزاماته وفق قدراته وإمكانياته، حتى لا نصل إلى معضلة الشلل المالي لدى المؤسسات التي ستتضرر آجلا أم عاجلا إن لم يستطع المواطن على سد التزاماته تجاهها.
رابعا. وأخيرا فإنه يجب العمل على إعادة النظر في قطاعي الزراعة والصناعة نظرا لأهميتهما وإمكانية الاستفادة منهما في الوقت الحالي، والعمل على مساعدتهما في مواجهة ما يعانيانه من مشاكل جمة.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية