ما الذي استفاده الاقتصاد الأردني من ربط عملته بالدولار الأمريكي؟
تتطلب عملية تثبيت سعر صرف لعملة ما أمام عملة أخرى، جهوداً حثيثة من قبل البنك المركزي عبر التدخل المستمر في شراء العملات وبيعها.
بهدف الحفاظ على سعر صرف مُستقر وثابت لفترة ليست بالبسيطة.
وتأتي هذه الجهود على قدر كبير من الأهمية للدول التي ترغب في إحداث نقلة في اقتصادها على الصعيد الداخلي والخارجي.
ومنذ العام 2010 دخلت الكثير من الدول العربية في آتون الربيع العربي، وما تسبب فيه من إرباك اقتصادي للبعض وتراجع لدى البعض الآخر.
وفي ظل هذه الاضطرابات تم اعتبار الأردن واحداً من أكثر الاقتصاديات المفتوحة، والمستقرة، والآمنة مقارنة بغيرها.
وقد ساعد ارتباط الدينار بالدولار الأمريكي في دعم هذا الاستقرار، والحفاظ على قيمة الثروات الوطنية والشخصية.
بل إن هذا الارتباط ساعد بشكل أو بآخر في جانبي جذب الاستثمارات ودعم الصادرات الأردنية.
لا بل إن هذا الارتباط دفع المواطن الأردني إلى الثقة بعملته، وهو ما لوحظ عكسه لدى الكثير من الدول التي قامت بتعويم عملتها.
وكما هي العادة فكل فائدة ستحصل عليها، لابد وأن تتكبد لأجلها التكاليف، وهو ما ينطبق أيضا على حالة ارتباط الدينار بالدولار.
والتكلفة التي أقصدها اليوم، هي ضرورة التوافق التام في السياسات النقدية الأردنية مع السياسات الخاصة بالفيدرالي الأمريكي.
وفي رأيي فإن هذه التكلفة ليست تكلفة خاصة، بل هي تكلفة تتكبدها مختلف الاقتصاديات ولكن بدرجات متفاوتة.
ولدلالة على عدم تخصيص هذه التكلفة على دولة، فإنه يمكن ملاحظة أداء الدول الحليفة وغير الحليفة للاقتصاد الأمركي.
حيث نلاحظ بعض التبعية بين سياستها النقدية للأخرى الأمريكية، فيما لا نلحظ هذه التبعية بشكل كبير لدى دولة غير حليفة مثل الصين.
إلا أن التوجه الاقتصادي الأمريكي، يدفع الجميع للتوجه في سياساته نحو الإطار الذي فرضته أمريكا على الداخل وانتشر للخارج.
هل يمكن فك الارتباط الآن؟
دعونا وقبل الإجابة عن هذا السؤال، أن نطرح تكاليف فك الارتباط على النحو التالي:
إن فك الارتباط على المدى القصير يعني في الغالب انخفاض العملة المحلية أمام باقي العملات وذلك تبعا للارتباك الاقتصادي.
أيضا ما سيصاحب هذا الفك وانخفاض سعر الصرف من ارتفاع في معدلات التضخم.
وإذا ما تحدثنا عن ذلك أيضا فإن انخفاض سعر صرف العملة الخاصة بالأردن سيتسبب في جعل ديون الأردن الخارجية مرتفعة.
كما أن انخفاض سعر الصرف سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة على المواطن.
وأتحدث عن السلع الخام والضرورية لعملية التصنيع والإنتاج ودعم التصدير فيما بعد.
ناهيك عن انخفاض أو تأثر القدرة الشرائية للمداخيل الثابتة لدى المواطنين الأردنيين وخاصة فئة الموظفين.
هذه بعض تكاليف فك ارتباط الدينار بالدولار وليس كلها، ونأتي الآن إلى الإجابة عن السؤال الرئيسي:
هل حان فك الارتباط؟
غالبا فإن أي عملية فك للارتباط بين عملتين، يتوجب على الدولة صاحبة هذا القرار أن تقوم مُسبقا بإجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية.
إضافة إلى أن تحول نفسها إلى كيان اقتصاديٍّ قائم بذاته، له ميزانية واضحة وموازنة مُستهدفة.
وهو ما يتم وضعه بناء على خطة قائمة على دعم الناتج المحلي الإجمالي، من خلال دعم الاستيراد والتصدير والاستثمارات.
إن الاقتصاد الأردني يمر اليوم في مؤشرات اقتصادية سيئة؛ حيث انخفاض في مؤشرات التصدير، وانخفاض في معدلات النمو الاقتصادي، وغيرها.
إضافة إلى مسألة الإغلاقات الاقتصادية التي استمرت طوال شهور، وهو ما دفع الأردن لأن تصبح تجربة فريدة في التعامل مع الأزمات وأتحدث عن كورونا.
وإذا ما تحدثنا بعقلانية عن فك الارتباط الدولار بالدينار، فإن الحديث عن فك الدينار الكويتي عن الدولار، أمر يدور اليوم الحديث عن تأجيله داخل الأروقة السياسية والاقتصادية الكويتية، لنفس الأسباب التي تعاني منها مختلف الدول.
ولكن ذلك لا يمنع من أن نسمع عن خطط اقتصادية رشيدة في الفترات القادمة، والتي –إن حدثت- فإن الحديث عن فك الارتباط سيعود إلى الواجهة بشكل عقلاني ومنطقي أكثر.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية