حينما نتحدث عن فقاعات الأصول ومخاطرها في العصر الحديث وتحديدا فقاعة العملات المشفرة، فإننا يجب أن نعود بالذاكرة إلى القرن السابع عشر، حينما تم رصد أول فقاعة أصول في التاريخ (أول ما يسمى بفقاعة المضاربة)، وتحديدا في هولندا من خلال سرد قصة زهرة التوليب .
وسنعود إلى القرن السابع عشر وتحديدا في هولندا، لسرد قصة لا يتم ذكرها بشكل كبير، وذلك من خلال طرح أسئلة رئيسية على النحو التالي.
السؤال الأول. كيف مثلت قصة زهرة التوليب أصل أول فقاعة اصول في التاريخ ؟
يعود أصل أول فقاعة إلى هولندا في القرن السابع عشر، حينما وصلت أسعار العقود الآجلة لزهرة التوليب إلى مستويات عالية بشكل غير اعتيادي، قبل أن تنهار بشكل كبير بداية عام 1637.
حيث وصل هوس الناس بالتوليب إلى حد كبير، دفع إلى زيادة الإقبال على زراعتها وتجارتها.
وقد ارتفعت أسعار أزهار التوليب والزنبق بعشرة أضعاف قيمتها الحقيقية، وتحديدا في فبراير من العام 1637.
حيث كتب الكثيرون عن هذا الهوس في كتبهم، حيث وصف جان بروغيل الأصغر المضاربين في هذا السوق قائلا:
“إن المضاربين أشبه بقرود بلا عقل في لباس معاصر من الطبقة العليا”.
السؤال الثاني. لماذا كانت هولندا مهمة في ذلك الوقت لنشر هذه المشكلة الاقتصادية عالميا؟
لقد كانت هولندا في ذلك الوقت أكثر الأنظمة الاقتصادية والتجارية والمالية تقدما آنذاك، وحتى منتصف القرن الثامن عشر.
حيث يعود لهولندا الكثير من الفضل على أسواق المال تحديدا؛ وذلك لعدة أسباب منها:
-
كانت مهدا لأول بورصة رسمية في العالم.
-
كما كانت مهدا لأول شركة عامة مدرجة رسميا في العالم وهي شركة الهند الشرقية الهولندية.
-
كانت هولندا كانت منفذا تجاريا وقوة مالية ونقدية كبيرة على الصعيد الاوروبي.
وقد أصبحت هولندا تبعا لهذه الأسباب وغيرها قوة اقتصادية قادرة على إحداث أي تغيير في أي منطقة في العالم.
السؤال الثالث. كيف دخلت هذه النبتة إلى هولندا؟
تقول الوثائق التاريخية بأن سفير الامبراطور الروماني أوجييه دي بوسبيك، هو أول من أدخل هذه النبتة إلى هولندا.
حيث أرسل أوجييه أول بصيلات وبذور توليب إلى فيينا عام 1554 من الإمبراطورية العثمانية.
كما ارسال أوجييه مع هذه البصيلات نباتات جديدة على البيئة والمناخ الأوروبي، مثل البطاطس والفلفل والطماطم والخضروات الأخرى.
السؤال الرابع. لماذا وقع الناس في حب هذه الزهرة؟
على الرغم من جمال هذه الزهرة، إلا أن السبب الرئيسي في حب الناس لهذه الزهرة كان سببا اقتصاديا وفنيا.
حيث ذاع استخدام هذه الزهرة في الأعمال الفنية وتم استخدامها بشكل كبير في الأعمال الأدبية.
كما بدأ الهولنديون بزراعة التوليب بشكل كبير، حتى أنها تعتبر مصدرا اقتصاديا رئيسيا لهولندا حتى الآن.
حيث يزرع المزارعون الهولنديون أكثر من ملياري بصيلة يتم تصديرها إلى جميع أنحاء العالم.
وقد حقق تجار امستردام أرباحا هائلة من تجارة التوليب؛ حيث وصلت أرباحهم للرحلة الواحدة نسبة 400%.
وقد دفعت هذه التجارة إلى ارتفاع اسعار زهرة التوليب بشكل كبير بصفتها عنصرا فاخرا ومرغوبا بشكل عالمي.
السؤال الخامس. ما سبب اختراع الهولنديين للعقود الآجلة التي تسببت في فقاعة التوليب؟
يعود سبب ارتفاع أسعار هذه الزهرة، إلى آلية زراعتها الطويل زمنيا، وموسم إزهارها القصير جدا.
وهو ما دفع المزارعين الهولنديين إلى القيام بالبيع العاجل في فترة قصيرة أثناء فترة الإزهار فقط.
إلا أن الهولندين قاموا باختراع ما يسمى بعقود البيع الآجل، كوعد ببيع الزهور في فترات مختلفة عن فترة إزهارها بأسعار محددة مسبقا.
وقد استمر المزارعون بعمل عقود آجلة للراغبين في الشراء بمبالغ كبيرة جدا، وصلت ذروتها عام 1637 حينما ارتفعت الأسعار عشر مرات في يوم واحد.
السؤال السادس. لماذا انخفضت الأسعار بشكل مفاجئ في ذروة الإقبال على هذه الزهرة؟
لقد انهارت اسعار الزهرة بشكل مفاجئ وحاد، وعلى الرغم من ضياع الكثير من المعلومات الاقتصادية آنذاك.
إلا أننا سنورد أهم سببين من وجهة نظرنا، على النحو التالي:
انتشار طاعون دبلي في ذلك الوقت ساعد في خلق ثقافة المخاطرة اللاعقلانية والتي تؤدي في نهاية الأمر إلى الانخفاض بشكل حاد ومفاجئ.
بينما تمثل السبب الآخر، بأن التجار الهولنديين لم يجدوا في النهاية المشترين القادرين على دفع الاسعار الآخذة بالارتفاع بشكل جنوني.
وقد بات مصطلح هوس التوليب ظاهرة اجتماعية اقتصادية، يتم استخدامه لوصف أي فقاعة اقتصادية كبيرة عندما تنحرف أسعار الأصول عن القيم الجوهرية.
وهو المصطلح الذي يتم تناوله في بعض الأروقة الاقتصادية الآن لوصف ما قد يحدث من فقاعة جراء الإقبال العالمي على العملات المشفرة.
بينما يبقى السؤال الآخير والمفتوح للقراء بعد سر قصة زهرة التوليب : هل سيشبه مصير العملات المشفرة مصير زهرة التوليب؟
المصادر:
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية