هل تذكر كيف كانت الحياة قبل مواقع التواصل الاجتماعي وانطلاق موقع فيس بوك بداية القرن الحالي؟
إن هذا السؤال قد يكون موجها لكل من وُلد في حقبة الثمانينات وما قبلها، وسأحاول تذكيركم في هذه المقالة بتلك الحياة التي نفتقدها اليوم والتي كنّا نعيشها سابقا.
فإذا ذهبت إلى موقع جوجل وسألت عن تلك الحياة التي كنت تعيشها في الماضي، فإنك ستتصفح الكثير من المقالات التي تتحدث عن تلك الحياة الرائعة والمجنونة والمليئة بالمغامرات الحقيقية والأمور الملموسة والشغف في لقاء الأصدقاء ومقابلتهم ومعرفة أخبارهم.
بل ستجد من يشير إلى تلك اللهفة في قضاء الأوقات في الدراسة واللعب والقراءة وتنمية المهارات أو اكتشافها.
وستذهب في الذكريات إلى فرحة تجميع المجلات والقصص والروايات التي مثلّت للكثيرين عالما من الاكتشاف والمتعة.
حتى إنك ستعود إلى ذكريات الصور، وقيمة كل صورة مثلت لك ذكرى تستحق أن تلتقط لأجلها الصور.
وستبتعد عن عالم التصوير المتكرر بدون طائل بهدف التفاعل ليس إلّا والشعور بالشعبية الزائفة.
لقد تحول عالم الأصدقاء بعد مواقع التواصل الاجتماعي من معنى القيمة إلى معنى الرقم والكمية.
وهذا الأمر يمكنك وببساطة أن تلاحظه عبر اهتمام الناس بنشر أوجاعهم أو أفراحهم أو مناسباتهم وانتظار أعداد التفاعل الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، دون رؤية ردات الفعل الحقيقية من قبل من يقوم بالتفاعل البارد.
وهو الأمر الذي لم يكن يُهمنا قبل مواقع التواصل الاجتماعي؛ وذلك حينما كانت المناسبة وسيلة للمشاركة الوجدانية الحقيقية.
أما على صعيد الأماكن التي هُجرت بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، فيمكننا الحديث عنها بطريقتين؛ أحدها مباشر والآخر غير مباشر.
فهناك المكتبات مثلا والتي هُجرت بسبب قلة الشغف بقضاء وقتنا الذي أضعناه بين الصفحات الافتراضية.
أما على صعيد الأماكن التي ما زلنا نرتادها، فإنها باتت باردة أكثر من تلك المثلجات التي نطلبها في المقاهي حينما نلتقي في الأصدقاء.
وهذا البرود نابع من عدم انتباهنا لبعضنا البعض أثناء التصاق أعيننا بهواتفنا وتصفح مواقعنا الافتراضية، دون الاكتراث بأننا نجتمع للحديث،
وتبقى اللحظة الوحيدة للتفاعل هي تلك الصورة التي نلتقطها لنرفعها على مواقعنا والعودة لمراقبة التفاعل البارد الذي أشرت إليه سابقا.
لقد ابتعدنا عن كل ما يهمنا ويثرينا، وانتقلنا من الاهتمام المنطقي بمن يحيطنا من المقربين، إلى مراقبة الكثير من الأشخاص.
فهذا الذي فقد وزنه، وذلك الذي نالَ درجة علمية، أو أنه سافر إلى رحلة جميلة، وغيرها من الأخبار وتحديدا السارة.
وفي كثير من الأحيان – وللأسف- فإن الأخبار السارة والمتتابعة عن الغير يدفع الكثيرين إلى الاكتئاب وخاصة أولئك الذين لا يستطيعون القيام بالأمور الجميلة.
لقد فقدنا الكثير من الأمور التي كانت من طباعنا الاجتماعية والثقافية والأسرية، وباتت اهتماماتنا أكثر بداهة وبلاهة في بعض الأحيان.
حتى تلك النِكات التي كانت تُضحكنا باتت مجرد مسخ مقروء مرات عديدة دونما وقت مناسب لها، فبهتت معاني الفكاهة.
فهل نذكر حقيقة كيف كانت الحياة قبل مواقع التواصل الاجتماعي ؟
وهل تشتاق لتلك الحياة فعلا ؟
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية