في عام 2018 أعلنت الحكومة الليبيرية أنها خسرت 104 ملايين دولار، وذلك حينما اختفت أوراقها النقدية المطبوعة في الخارج بعد دخولها لميناء ومطار ليبيريا.
وفي نفس العام أعلن الهنود عن غضبهم، لأن شركة China Banknote Printing and Minting المملوكة للحكومة، فازت بعقد لطباعة الروبية.
تقودنا هاتين الحالتين إلى طرح سؤال جوهري يندرج تحته العديد من الأسئلة الأخرى، وهو: لماذا تطبع الدول عملاتها خارج حدودها ؟
ويقودنا هذا السؤال إلى الكثير من الأمور والتساؤلات التي سنناقشها في هذه المقالة عبر المحاور الرئيسية التالية.
المحور الأول. لماذا تتم طباعة النقود خارج الحدود الخاصة بالدول؟
إن مسألة طباعة النقود خارج الحدود الخاصة بالدول، أمر شائع؛ حيث يسود اعتقاد خاطئ بأن البنك المركزي هو من يطبع النقود.
في حين أن البنك المركزي يقوم بإدارة طباعة النقود وتحديد الأوراق النقدية الجديدة التي يحتاجها اقتصاد الدولة.
وعلى الرغم من أن هذا الأمر يعتبر أمراً مُحيرا للغاية، إلا أن من أورد أسباب الدول في القيام بذلك.
السبب الأول
حيث يقول دنكان كونورز، الخبير في تاريخ المال في جامعة دورهام:
“إن طباعة النقود في الخارج هو أمر مكلف، ولكن طباعة النقود في الداخل مكلفة وصعبة جدا”.
ويضيف:
“الشركات العاملة في طباعة النقود موجودة منذ بضع مئات من السنين، ويمتلكون تكنولوجيا متخصصة ومصداقية في مجال الأمن”.
ويبدو أن سبب خبرة وتاريخ المطابع في طباعة النقود، سيكون سببا منطقيا، خاصة حينما سنتحدث عن تاريخ إنشاء أكبر المطابع.
كما أنه وبالنسبة للبلدان الصغيرة، فقد يكون من المنطق الاستعانة بمصادر خارجية، بدلا من العمل على إنشاء شركات لطباعة النقود دون خبرة كافية، في الأمور اللوجستية والأمنية والسرية ومواكبة التطورات التكنولوجية.
السبب الثاني:
أما عن السبب الآخر فيعود وفقا لدنكان إلى القدرة التشغيلية للمطابع الخارجية، والتي تفوق قدرة الكثير من الدول.
حيث تقوم المطبعة الواحدة من المطابع السابقة بإنتاج 1-1.4 مليار ورقة في السنة، وهو ما لن يستطيع البنك المركزي القيام به.
طبعا يمكننا استثناء الولايات المتحدة الأمريكية، التي تشير بعض المصادر إلى أنها تقوم بطباعة 7 مليارات دولارات سنويا في الأوقات الطبيعية عبر دور مسابكها الخاصة.
المحور الثاني. ما هي مخاوف طباعة الدول لعملاتها في الخارج؟
غالبا ما يحيط مسألة طباعة النقود في الخارج، الكثير من التساؤلات والمخاوف، وتحديدا فيما يتعلق بالأمن القومي.
حيث يمكننا أخذ المثال الهندي الصيني في هذا التخوف، وذلك بسبب انخراط الدولتين في مسألة نزاع حدودية منذ عقود طويلة.
كما تزداد المخاوف من قيام حكومة أجنبية بحجب طباعة النقود عن دولة أخرى بسبب نزاع ما.
وهو ما جرى عام 2011 حينما حجبت بريطانيا طباعة 1 مليار دولار تقريبا عن ليبيا في آخر أيام عهد القذافي.
وإن كان حجب الأموال المطبوعة سيمثل مشكلة، فإن العمل على إنتاج نقود بأكثر مما يجب، سيمثل مشكلة أكبر للاقتصاد بما سيسببه من مشاكل أبرزها التضخم.
وهناك من يشير إلى المخاطر الأمنية الخاصة بالعملة، وذلك في حال معرفة الخصائص الأمنية لعملة ما وتسريبها، مما سيجعلها أكثر عرضة للتزوير.
المحور الثالث. ما هي أكبر الشركات التي تقوم بطباعة النقود في العالم:
حينما نتحدث عن شركات طباعة النقود فإننا أمام أربع شركات عالمية رئيسية هي:
شركة De La Rue البريطانية التي تأسست عام 1860، وتنتج أوراقا نقدية لأكثر من 140 بنك مركزي.
الشركة الألمانية Giesecke & Devrient ، تأسست عام 1852 وتنتج أوراقا نقدية لما يقرب من 100 بنك مركزي.
الشركة الكندية Banknote والتي تأسست عام 1897، وتنتنج الأوراق النقدية الخاصة بالحكومة الكندية وغيرها.
شركة Crane Currency الموجودة في أمريكا والسويد، والتي تأسست عام 1801، وتطبع جزء من أموال الحكومة الأمريكية.
شركة China Banknote Printing and Minting هي أكبر طابعة نقود في العالم من حيث الحجم بأكثر من 18000 موظف.
وتعتبر شركة De La Rue البريطانية أكبر الشركات من حيث طباعة النقود في العالم، وعلى الرغم من انخفاض إيراداتها على إثر أحداث خاصة بها عام 2019، وزيادة وسائل الدفع التكنولوجية إلا أنها ما زالت الشركة الأكبر عالميا.
كما وتحيط أعمال هذه الشركات الكثير من السرية، وذلك لخصوصية عملها وخطورة المعلومات التي تحتويها.
حيث تصل هذه السرية إلى أن معظم الشركات لا تشير إلى أسماء البنوك المركزية التي تنتج لها العملات.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية