هل شعرت يوما ما بأنك مراقب؟ وهل شعرت يوما بأن أحداً ما يعرف عنك أموراً خاصة لا يعرفها أحد سواك؟ بل هل تتخيل أن هناك أحدٌ يعرف عنك أمورا ستخطر في ذهنك بعد شهور؟ سأتناول في المقالة التالية نبذة قصيرة عن أمرٍ غريب جدا، وهو “لماذا تعرف أمازون عنك بيانات وأمور أكثر مما تتخيل؟”
حينما قام “جيف بيزوس” بتأسيس شركة “أمازون” في تسعينيات القرن العشرين، آمن بأهمية البيانات، وأدرك أن جمع البيانات عن العملاء، سيمكّنه من بيع منتجات أخرى، إلى جانب المنتج الأساسي للشركة، وهو بيع الكتب، وفي سبيل جمع البيانات، قام “بيزوس” بتعيين خبير الذكاء الاصطناعي “أندرياس ويجند”، وجعله كبير العلماء في أمازون، وقد قامت الشركة باستخدام Clickstreams وهي مسار التنقل الرقمي الذي يسمح بمعرفة المواقع التي يأتي منها المستخدمون ، وكيف ينتقلون عبر صفحاته الخاصة وتحديد المواقع الأخرى التي يذهبون إليها لاحقا.
Clickstreams
وحينما نتحدث هنا عن هذا المسار، فإننا نتحدث عن قدرة أمازون المستقبلية، في التأثير على سلوك المستهلكين، عبر وسائل أثبتت نفسها لعشرات السنين فيما بعد، حيث استخدمت أمازون إضفاء الطابع الشخصي، والتوصيات الممنهجة لجلب العميل نحو ما تريده الشركة، وقد اتهمها الكثيرون بالحصول على البيانات الشخصية، ثم استخدامها كأداة لتحقيق الأرباح بشكل ممنهج، وتدافع الشركة عن نفسها قائلة: “لم نفكر في الأمر على أنه استغلال ، بل فكرنا في مساعدة الناس على اتخاذ قرارات أفضل، وتقديم منتجات عصرية”
وقد استمرت أمازون في توظيف المواهب للعثور على طرق مبتكرة لتحويل البيانات إلى دولارات، وكان بينهم المصرفي السابق “جيمس طومسون”، والذي أشار إلى أن أمازون لا تمتلك بيانات عنك لمعرفة تفضيلاتك، أو القدرة على توجيهك نحو تفضيلات أخرى فحسب، بل إنها تمتلك ملايين التفضيلات الأخرى للعملاء الذين يشبهونك، وهو ما يمكّنها من معرفة ما ستحتاجه لاحقا، وبالتالي تخزين العديد من المنتجات قبل شهور من احتياجك لها.
وقد تصدى لهذا السلوك الغريب الذي تنتهجه أمازون، ومن بينهم “شوشانا زوبوف” مؤلفة كتاب “عصر راسمالية المراقبة” من جامعة هارفارد، وذلك حينما وصفت ما تقوم به أمازون على أنه: “نمط من الأنماط الإقطاعية التي كانت تسود قبل قرون من زمن الحريات المزعوم”.
هل توقفت أمازون عند هذا الحد من جمع البيانات عنك؟
لم تقف أمازون في تجميع البيانات، بل لم تكتفِ بتخزين كافة المُنتجات والسلع من الألف إلى الياء، كما يشير سهم الشركة إلى ذلك A-Z (كما في صورة الشعار التالية)، حيث قامت بإقناع الشركات الكبيرة بالاستعانة بها كمصدر خارجي لعمليات البيع بالتجزئة الإلكترونية وكان أهم هذه الشركات ToysRUs و Borders و وWaterstones و Marks & Spencer و Target ، ولم تدرك هذه الشركات حجم الخطأ الذي قامت به، وذلك بتسليم بيانات عملاء شركاتها بيسر وسهولة لشركة أمازون، والتي كانت لديها خطط طويلة الأمد.
أما الجانب الآخر من استراتيجية أمازون، فتمثل في إقناع الأطراف الثلاثة الأصغر ببيع العناصر الجديدة والمستعملة عبر Marketplace – وهي منصة سمحت لهم أمازون باستخدامها لإدراج سلعهم الخاصة لبيع منتجاتهم بشكل مباشر وأسرع، وفي 2015 أشارت الشركة بأن غالبية السلع المادية التي يتم بيعها عبر موقعها هي سلع أطراف ثالثة، ويقول طومسون في ذلك: “إن أمازون تقوم بتأجيرك منصة لتقوم ببيع منتجاتك عبرها، وفي الحقيقة فإنك تقوم بتأجير عميلك وبياناته لشركة أمازون”.
لقد تنبهت الدول لخطورة ذلك، فقامت المفوضية الأوروبية بفتح تحقيق رسمي حول ما إذا كانت أمازون تستخدم بيانات السوق الخاصة بها، لتكون اللاعب الرسمي والوحيد في السوق، بشكل يمكّنها من التحكم بالمُنتجات والمستهلكين والشركات الأخرى، وهي القضية التي كانت ستمكّن المفوضية من فرض غرامات تصل إلى 10٪ من حجم مبيعات شركة أمازون السنوية، وقد قُدرت المخالفة آنذاك بقيمة 28 مليار دولار في هذه القضية فقط.
وقد تم تقديم اختراع بسيط منذ سنوات في شركة ما، وهو جرس باب مزود بكاميرا، يسمح لك هذا الجرس بالرد على قارعيه عبر هاتفك الذكي، وقد قوبل هذا الاختراع بالسخرية آنذاك، إلا أنه وبعد خمس سنوات، انقضت أمازون على هذه الشركة واشترتها، مقابل 839 مليون دولار، وأعادت تسميتها باسم Ring .
ويمكّنك هذا الجرس من استقبال بضائع أمازون، من خلال فتح الباب عبر هاتفك الذكي، خلال تواجدك في أي مكان خارج المنزل، وقد تم ربط الجرس بكاميرا، لضمان حصولك على البضاعة وعدم تعرضك للسرقة، وهو ما يُمكّن أمازون من متابعة سلوك المستخدمين في أي مكان خارج شاشة الانترنت والمتجر الالكتروني الافتراضي.
وقد قامت أمازون بحماية نفسها وحماية هذه الأداة، من خلال تعليمات خصوصية Ring التي تقرُ بأن: “المعلومات الشخصية تُستخدم لإجراء التحليلات بما في ذلك أبحاث السوق والمستهلكين و لتشغيل أعمالها وتقييمها وتطويرها وإدارتها وتحسينها”.
وعديدة هي المنتجات التي قامت أمازون بتقديمها مثل Alexa ومنتجات أخرى وصلت إلى خدمات الرعاية الطبية، والصيدلية الالكترونية، والبقالة الالكترونية، إلى جانب تطبيقات كثيرة مثل التعرف على الوجه باستخدام أفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى ما دون ذلك من وسائل لجمع البيانات، ولتعرف أمازون عنك أكثر مما تتخيل من أمور ورغبات وتفضيلات.
وقد أشار كاتب في موقع BBC عن حالة أمازون، بإننا أمام خيارين، إما أن نسمح لأمازون في الحصول على البيانات بشكل كبير، أو إجبارها على التراجع عن هذا السلوك، والسماح بهامش من الخصوصية لدى الأفراد، أو السماح للمؤسسات الأخرى في الحصول على البيانات بشكل مستقل ومقنن.
أنصحك بقراءة مقالة عن أكبر شركات الذكاء الاصطناعي، لما يحتويه من معلومات مهمة وغريبة ومن ضمنها معلومات عن شركة أمازون باعتبارها واحدة من أكبر شركات الذكاء الاصطناعي في العالم.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية