اعتبرت مدينة نيويورك على أنها مركزٌ لتفشي فايروس كورونا؛ حيث شهدت وفاة ما لا يقل عن 21 ألف شخص من أصل مئة ألف حالة وفاة على الصعيد الأمريكي بسبب فايروس كورونا، وهو دفع إلى إغلاق نيويورك، التي يعتبرها الكثيرون بأنها المدينة التي لا تنام أبدا، وقد عانت مدينة نيويورك من لعنة الإغلاقات، فتارة تم إغلاقها بسبب الحجر الصحي، وتارة أخرى تم فرض حظر التجول على خلفية الاحتجاجات والمظاهرات بعد مقتل جورج فلويد، وعلى الرغم من فتح الاقتصاد الأمريكي في العديد من الولايات، إلا أن الاقتصاد الأمريكي يعتمد بشكل كبير على نيويورك واقتصادها، فلماذا؟
تؤكد العديد من البيانات الصادرة عن مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي، على مدى أهمية نيويورك للاقتصاد الأمريكي عبر التاريخ الأمريكي، وهو ما يدفع المحللين والاقتصاديين للتفاؤل حيّال الاقتصاد الأمريكي؛ وذلك بسبب إعادة الفتح التدريجي لاقتصاد المدينة.
وتحتوي مدينة نيويورك على مناطق حيوية وذات أهمية كبيرة للاقتصاد الأمريكي؛ حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لنيويورك 1.8 تريليون دولار تقريبا، أي ما نسبته 9.62٪ من الناتج الإجمالي الأمريكي، وأقرب المنافسين لهذه المدينة هي لوس أنجلوس، والتي تشكل 5.7٪ من إجمالي الناتج المحلي، ثم شيكاغو بنسبة 3.74٪ من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.
ويشير الكاتبان Brian Chappatta and Elaine He إلى أنه يمكن اعتبار مدينة نيويورك -بشكل منفصل- على أنها من أكبر الاقتصاديات في العالم، بتعداد سكاني يبلغ أكثر من 20 مليون نسمة، وهو أكبر من أي منطقة أخرى في الولايات المتحدة.
وقد وجد تحليل أجرته شركة البرمجيات LaborIQ by ThinkWhy، بعد قيامها بتصنيف أسواق التوظيف الأمريكية خلال الشهر الماضي إلى أن القطاع المالي في نيويورك لن يتعافى بشكل كامل حتى عام 2026، وذلك بعد أن انخفض هذا القطاع بالفعل بحوالي 8 ٪ حتى وقتنا الحالي من هذا العام ، ويبدو أن الإغلاق سيُحدث تأثيراً آخراً في قطاعات مثل العقارات والتأمين.
إلا أن الخبر السار للاقتصاد الخاص بمدينة نيويورك، كما يصصف الكاتبان، هو أن المدينة بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة 2008، أصبحت ذات اقتصاد أكثر تنوعًا مما كانت عليه طيلة المئة عام الماضية، بل إن المدينة تعلمت من التركز الذي كانت عليه ومدى الضرر الذي أصابها من اعتمادها على القطاع المالي، فازدهرت الوظائف المرتبطة بالخدمات المهنية والتجارية والتعليم والصحة، ثم ارتفعت الوظائف في مجال الترفيه والضيافة أكثر من أي وظيفة أخرى خلال السنوات الماضية بعد أزمة 2008.إن إنقاذ اقتصاد مدينة نيويورك يعني تحسنا في نسب البطالة؛ فيكفي أن تعلم أن نسبة 70% من سكان المدينة قد عانى من مشكلة فقدان الدخل بعد خسارتهم لفرص العمل، وهي حصة أكبر من أي مدينة باستثناء ديترويت ولوس أنجلوس وريفرسايد بولاية كاليفورنيا.
أضف إلى ذلك أن فتح اقتصاد نيويورك سيعيد لأمريكا ميزة السياحة، حيث تتنافس مدينة نيويورك باستمرار مع أورلاندو على المركز الأول بين المدن الأمريكية الأكثر زيارة، وهو ما سينعكس إيجابا على العمالة الأمريكية بعد تنشيط الاقتصاد وسياحة المدينة. أضف إلى ذلك الدخل الناتج من إشغال الفنادق، والذي يصل عادة إلى حوالي 85 ٪ في مارس، حيث انخفضت هذه النسبة إلى 30.6 ٪ هذا العام بسبب كورونا.
إن الاقتصاد الأمريكي يعتمد بشكل كبير على اقتصاد مدينة نيويورك، النابض بالحياة والحيوية، والذي سيحسّن من معدلات التوظيف، ويحسّن من المداخيل السياحية كما أشرنا سابقا، إلى غيرها من الأمور الصناعية الأخرى.
أنصحكم بالاطلاع على مقالة بعنوان “خصائص الدين الأمريكي” لما له من أهمية على صعيد المعرفة بالاقتصاد الأمريكي.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية