التزم الفيدرالي الأمريكي برفع الفوائد بأقوى وتيرة منذ عقود، لترويض التضخم، إلّا أن الظروف الاقتصادية الأمريكية المعقّدة قد تجعل من مهمة الاحتياطي الفيدرالي الامريكي مهمة صعبة للغاية، ليستمر القائمون على الفيدرالي في نفس وتيرة التشدد حتى العام المقبل.
تنويه مهمة جدا قبل القراءة:
قبل الدخول في تفاصيل هذه المقالة المترجمة، بتصرف من قبل موقع كواليس المال، فإنه تجدر الإشارة إلى أهمية طرحها في الوقت الحالي.
حيث انخفض الدولار منذ أن قام الفيدرالي برفع الفائدة على الدولار، على عكس ما كان يحدث خلال الشهور الماضية، ومخالفا للقاعدة التقليدية الطردية بين العائد على الدولار وقيمته.
وقد حدث هذا الانخفاض بشكل عام، بعد بيانات الركود الاقتصادي التي أشارت إلى انكماش الاقتصاد الأمريكي للربع الثاني.
وهو ما دفع الاسواق المالية لقراءة الأمر بشكل متسرع، وتوقعٍ بأن لا يقوم الفيدرالي برفع الفائدة حتى لا يتسبب في إحداث ركود عميق.
وهو الركود الذي تحدث الكثيرون بأنه سيكون نتيجة طبيعة لرفع الفوائد على الدولار وتخفيض القوى الشرائية وما يصاحبها من انخفاض في الطلب.
ثم لتأتي أرقام التضخم التي انخفضت بمقدار بسيط جدا عن المتوقع، ولتزيد من يقين الاسواق وتفاؤلها.
ليتجه المستثمرون نحو الأصول الخطرة ممثلة في الأسواق المالية وأدواتها، وليبتعدوا عن الأسواق النقدية الممثلة بالعملة.
بل إن الأسواق ذهبت وأفرطت في التفاؤل رغم تحذيرات العديد من رؤوساء الفيدرالي بأن زيادة الفوائد ستظل مستمرة.
ليواصل الدولار انخفاضه في كل يوم تداول، بناء على توقعات زيادة فوائد أقل حتى نهاية هذا العام، على أن تبدأ بالانخفاض العام المقبل.
وهنا؛
فإن هذه المقالة تأتي بوقت مناسب لتقديم الصورة العامة للوضع الاقتصادي الأمريكي الذي سيعقّد من مهمة الاحتياطي الفيدرالي الامريكي ويجعل المسؤولين مضطرين للمضي قدما حتى يثبت التضخم عكس ذلك.
بل إن في هذه المقالة آراء مهمة لمحللين عالميين من مؤسسات عالمية، يشيرون فيها إلى ضرورة عدم التسرع مرة أخرى من قبل الأسواق في قراءة البيانات القريبة القادمة.
التفاصيل:
يتحدث Yoruk Bahceli في مقالة تحليلية منشورة صباح هذا اليوم عبر وكالة رويترز عن كمية وحجم الظروف الاقتصادية المضطربة في الولايات المتحدة التي تجعل من مسألة القضاء على التضخم أمراً غير سريع كما يأمل الكثيرون.
حيث يقول يورك:
“إن ارتفاع الأسهم وانخفاض عائدات السندات الحكومية منذ رفع الاحتياطي الفيدرالي في يونيو يعني أن الظروف المالية تتراجع بالفعل”.
ويشير في تصريحه ضمنيا إلى احتمالية قيام الفيدرالي برفع الفائدة بشكل قياسي خلال الاجتماع القادم والذي يليه بمعدل 75 نقطة أساس.
ويتحدث أيضا عن صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي يفرضها واقع اقتصادي مضطرب للغاية.
حيث يسعى الفيدرالي للتشدد وتحجيم القدرة الشرائية للسيطرة على التضخم، بينما يعكس الواقع الاقتصادي توافر المال بشكل كبير للانفاق والادخار والاستثمار في الاسواق المالية التي انتعشت.
وهو ما يحد من نجاح الفيدرالي في تحقيق هدفه المتمثل في تخفيض التضخم المرتفع بشكل كبير في الاساس.
وقد تحدث العديد من المحللين عن مسألة التفاؤل المفرط من قبل الاسواق المالية بأن الفيدرالي لن يحتاج لرفع الفوائد بشكل كبير، وأنه سيخفضها العام المقبل.
حيث يقول دان سترويفين، كبير الاقتصاديين العالميين في بنك جولدمان ساكس:
“بالعودة إلى مسار الأسواق المالية المتفائل منذ شهر، فإن الحديث كان يجري حول قدرة الاقتصاد الأمريكي على تخطي التضخم، وإعادة النشاط، دون أن يكون للفائدة أثر كبير”.
وعلى الرغم من تأكيد سترويفين على أن ذلك يلامس الحقيقة بعض الشيء، ولكنه أنكر مدى الإفراط في التفاؤل.
فالاعتقاد بأن الفيدرالي سيكون قلقا من التسبب بالركود بسبب رفعه للفوائد، لن يكون على حساب أولوياته بالقضاء على التضخم.
بل إن خطاب جيروم باول بعد رفع الفائدة على الدولار في الاجتماع الأخير، قد يكون سببا من أسباب تفاؤل الاسواق المفرط.
وذلك حينما فسر بعض المستثمرين تعليقات باول على أنها تشير إلى “محور مسالم”، لتنخفض درجة تأثير الفوائد على الدولار.
أما عن البيانات الاقتصادية القادمة، فقد أشار سترويفين إلى أمر مهم جدا وذلك حينما قال:
“إذا رأيت بيانات مالية قادمة تتراجع، فإن ذلك لن يكون مستداما لأن توقعات النشاط ونمو الاجور والتضخم ستبدو شديدة الارتفاع أيضا”.
وهذه الإشارة مهمة وخطيرة على حد سواء، لأن الخطأ في القراءة مثلما حدث الشهر الماضي، قد يدفع الأسواق للتخبط والدخول في دوامة تفاؤل غير منطقية.
بينما قال باتريك سانر، رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي في Swiss Re:
“إن التفسير المتشائم لاستمرار التضخم من قبل العديد من المؤسسات، يعني شيئا واحدا، وهو أن مهمة الاحتياطي الفيدرالي الامريكي ما زالت قائمة وكبيرة”.
وهذا يعني أن المضي قدما في رفع الفوائد سيكون وسيلة أساسية ضمن وسائل مكافحة التضخم في الولايات المتحدة.
وهو الأمر المنطقي والذي يتوائم مع معارضة العديد من صانعي السياسة في الاحتياطي الفيدرالي لمسألة التوقف عن رفع الفوائد.
حيث قال العديد من المسؤولين:
“إننا عازمون على المضي والاستمرار في تشديد السياسة النقدية حتى ينخفض التضخم بشكل ثابت”.
بينما أشار البعض إلى انه من غير المحتمل أن يقوم الفيدرالي بالتركيز على خفض أسعار الفوائد العام القادم.
وذلك أن التركيز على هذا الأمر سيوجه الرهانات نحو أصول خطرة قد تزيد من المشاكل الاقتصادية الأمريكية.
حيث يكمل سانر تصريحاته، ويقول:
“تحتاج إما إلى رؤية بعض الانخفاضات في أصول المخاطر أو اسواق الاسهم، أو زيادات في العوائد، أو مزيج من ذلك حتى تبدأ بالحديث عن نجاح تشديد السياسة النقدية لمكافحة التضخم”.
ويتوقع بنك جولدمان ساكس أن تصل عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى 3.30٪ بنهاية العام ، بارتفاع من 2.80٪ اليوم.
وهذا يعني أن جولدمان يرى أن هناك ركودا محتملا سيلقي بظلاله السيئة على الأسواق بشكل أو بآخر.
ويشكك بنك مورجان ستانلي في أداء أسواق المال، ويتوقع انخفاض مؤشر S&P500 بنحو 9% في النصف الأول من العام المقبل.
كما يرى محللو UBS أن سوق الأسهم حاليا، ووفق تحليلاتهم فإن اداء مؤشر S&P500 سينخفض بنسبة 25% دون تحديد لموعد معين.
وقد ختم يورك مقالته المهمة، بتذكير مهمة للرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك السيد “بيل دادلي”.
وذلك حينما تحدث عن أداء اسواق المال، قائلا فيما معناه:
“إن التفكير بقاعدة التمني والتفاؤل في مختلف الأسواق بقاعدة التمني يجعل من مهام الفيدرالي أكثر صعوبة”.
وهو ما يعني أن الفيدرالي لن يتوقف عن رفع الفوائد والتشديد حتى يجد أن التضخم ينخفض بشكل جاد ودائم وحقيقي.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية