قام الفيدرالي الأمريكي بالحديث عن تشديد سياسته النقدية منذ بداية هذا العام لمكافحة التضخم، وذلك من خلال آليتين رئيسيتين هما رفع الفوائد على العملة، والتخلص من الميزانية المتضخمة في السندات، إلا أنَّ وهج الحديث عن التخلص من السندات تراجعت وتيرة الحديث عنه في الأشهر الأخيرة لصالح رفع اسعار الفوائد، وهو الأمر الذي قد يعود الحديث عنه خلال ندوة جاكسون هول التي ستُعقد نهاية الشهر الجاري.
ملاحظات مهمة قبل الدخول في التفاصيل:
قبل الدخول في التفاصيل، فإنه تجدر الإشارة إلى عدة أمور لتوضيح الصورة بلغة أبسط.
أولا. إن التشديد النقدي هو عكس التيسير النقدي الذي حدث حينما انطلقت كورونا، والتي أدت إلى زيادة الأموال المتاحة في السوق من خلال:
– ضخ المال من خلال تخفيض اسعار الفوائد على العملة.
– القيام بشراء السندات حتى لا تنهار السندات، والتي وصلت تقريبا الآن إلى 9 تريليون دولار أمريكي.
ولكن وخلال العام الحالي، وبعد ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات 7% بداية العام الحالي، فإن الفيدرالي لجأ إلى التشديد النقدي الكمي.
حيث قام برفع الفائدة على العملة لسحب الأموال من السوق ابتداء من شهر آذار الماضي.
كما قام بالإعلان عن قيامه بالتخلص من ميزانيته المتضخمة من السندات بداية شهر يونيو، ليعتقد أنه سيتم التخلص من 2.2 تريليون دولار حتى نهاية عام 2024.
أما عن مسألة علاقة العوائد على السندات بالدولار، فإنها علاقة طردية بمعناها النظري التقليدي.
حيث يمكن أن ترتفع العوائد على السندات الامريكية لاغراء المستثمرين بشرائها، وهو ما سيزيد من الاقبال على الدولار لشرائها، وبالتالي فإن الاقبال على الدولار سيزيد من قيمته وسعر صرفه.
إلا أن ذلك يُعدُّ تبسيطا كبيرا، لأمور أكثر تعقيدا مما تبدو عليه في الحقيقة؛ حيث أن ارتفاع العوائد على السندات، يرجع لعوامل كثيرة، أهمها الظروف الاقتصادية والمخاوف من ارتفاع التضخم.
حيث أن ارتفاع التضخم يعمل على تآكل العوائد على السندات، وتحديدا تلك الثابتة على سندات ذات استحقاقات طويلة المدى
هذه النقاط السابقة، تصف أمرين هما، التيسير النقدي ولماذا تم اللجوء إليه، والتشديد النقدي وآلياته المتاحة.
كما تصف العلاقة بين العوائد على السندات وبين تأثيرها على سعر وقيمة الدولار في الأسواق العالمية.
التفاصيل:
تتجه الأنظار هذا الشهر نحنو اجتماع ندوة جاكسون هول الذي يعد اجتماعا سنويا للفيدرالي الأمريكي، في منتجع وايومنغ.
وهناك احتمالان بشأن ما سيقوله جيروم باول بالنسبة لهذا الاجتماع من تصريحات وإشارات بالنسبة لأسعار الفائدة.
حيث قد لا يقدم الكثير من الاشارات الواضحة، وذلك أن الفيدرالي يعترف أن هناك القليل من الرؤية الواضحة بشأن التضخم.
بينما يرى البعض أنه سيعطي إشارة واضحة للمضي قدما في رفع الفوائد وذلك حتى يتم تخفيض التضخم بشكل مستدام.
ولكن مسألة تخفيض الميزانية الخاصة بالسندات التي تقترب من 9 تريليون دولار فإنها ستكون محط الأنظار بشكل أكبر.
حيث إن المستثمرين وصناع السياسة كانوا غامضين للغاية حتى الآن بشأن كيفية بيعهم للسندات بالتزامن مع ارتفاع العوائد عليها.
وقد قال الفيدرالي:
“إن برنامج التخلص من سندات الخزينة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، سيبدأ في شهر يونيو وسيصل إلى قيمة 95 مليار شهريا في سبتمبر القادم”.
وبناء على هذه الافتراضات فإن الميزانية ستتقلص بنحو 2.2 مليار دولار بحلول نهاية عام 2024.
ولكن باقي المبلغ الذي قام الفيدرالي بجمعه تحديدا خلال الجائحة لضخ السيولة في الاسواق، لم يتم التخطيط له حتى الآن.
وهذا يعني أن هذا الجانب من تشديد السياسة ليس جاهزا للعمل بشكل كامل.
كما أنه لا يوجد تصور واضح من قبل الجميع لتأثير تخفيض الميزانية بهذا القدر من الأموال على الأسواق.
وستكون ندوة جاكسون هول التي يعقدها بنك الاحتياطي الفيدرالي في كنساس سيتي يومي 25 و27 من الشهر الجاري المنتدى الأكثر انتظارا بالنسبة للمستثمرين المتوترين، والذين يريدون مزيدا من الوضوح والطمأنينة.
ولكن السؤال الأبرز هنا، سيتمثل في احتمالية أن يقوم الفيدرالي بالتصريح بأي أمر واضح بشكل كبير، وذلك وفقا لما كتبه جيمي ماكفير، كاتب العمود الاقتصادي في رويترز.
حيث يقول جوزيف وانج ، متداول كبير سابق في مكتب الأسواق المفتوحة في الاحتياطي الفيدرالي:
“اشك في أن الفيدرالي لديه تصور واضح لمدى نجاح هذه الطريقة في تشديد السياسة النقدية”.
كما أضاف قائلا:
“السيولة في سوق السندات ضعيفة جدا مؤخرا، ولا أعتقد أنها كافية للتوجه نحو شراء السندات بسهولة”.
وبدوره فقد تحدث باول عن سوق السندات بطريقة إيجابية، وأنه قادر على استيعاب عرض السندات.
كما قال أيضا:
“إن الأمر سيستغرق ما يصل إلى عامين ونصف قبل أن تنخفض احتياطيات البنوك إلى مستوى يصعب على النظام المصرفي العمل دونه بسلاسة”.
ولكن جيمي يشير إلى صعوبة التخلص من السندات، وتحديدا أن قدرة البنوك والتجار على الاحتفاظ بالمزيد من السندات باتت محدودة.
وقد حذرت ورقتان بحثيتان من بنك الاحتياطي الفيدرالي الشهر الماضي من أن تخفيض الميزانية العمومية قد يكون له عواقب سلبية.
حيث سيزيد من توتر سوق الخزانة المتوتر بالفعل.
كما قد يؤدي إلى ارتفاع حاد غير مريح في أسعار الفائدة على السندات، نتيجة زيادة المعروض منها.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية