يزداد الحديث بشكل كبير في الآونة الأخيرة حول اقتراب الصين من اعتلاء عرش الاقتصاد العالمي، ويدور حول هذا الحديث والتصور سؤالٌ كبير مفاده:
“هل تتحول الصين إلى ولايات متحدة جديدة ؟”
مما لا شك فيه أن العالم يتخذ موقفا شبه واضح من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو موقف التخوف والارتياب والتشكيك في النوايا إضافة إلى نسبة كبيرة من الكراهية.
وعلى الرغم من عدم امتلاكنا للإحصائية الدقيقة، إلا أنه وبعد مراجعة بعض استطلاعات الرأي من خلال موقع gallup يتضح الآتي:
بعض الاستطلاعات أشارت إلى تباين وتأرجح الرضا عن مكانة أمريكا في العالم.
البعض الآخر أشار إلى أن 40% من الناس لا ينظرون إلى الولايات المتحدة كوجهة مفضلة.
فيما وجد بعضها أن 47% من أن الناس غير مقتنعين بمكانة أمريكا في العالم.
هذه الاستطلاعات البسيطة قد تكون مؤشرا على تأرجح مكانة أمريكا في عيون العالم، وهو الأمر الذي إن بدى لنا كعامة فإنه لن يخفى عن الجانب الصيني.
لقد لاحظ العالم منذ مئة عام مدى التدخل الأمريكي في مختلف الشؤون الدولية، بصفتها الفاعل الرئيسي والمؤثر الكبير على مختلف الساحات.
وهو ما دفع الكثير من الدول والشعوب إلى الامتعاض من هذا التدخل، بل إن البعض رأى أن هذا التدخل كان بهدف تحقيق الصالح الأمريكي فقط.
أما على الصعيد الأيدولوجي فقد نجحت أمريكا بتصدير أيدولوجيتها الخاصة، سواء على الصعيد الثقافي أو الفِكري.
ناهيك عن فرضها للإملاءات الاقتصادية من خلال فرض السياسيات المالية والنقدية، ولك في ترقب العالم لقرارات الفيدرالي الأمريكي مثالا واضحا على ذلك.
هذه الأمور لم نجدها لدى الصين بالشكل الواضح والصريح، وإن كان هناك من يجدها دولةً سلطوية بشكل كبير على الصعيد الداخلي.
لقد حرصت الصين تمام الحرص على إظهار الأمور التالية للعيّان:
أولا. حرصت على إعطاء الصورة المُحايدة على صعيد التدخلات الدولية، ومد يد التعاون والمساعدات.
ثانيا. حرصت على ضرب الأمثلة للنجاح القومي المؤسسي، بعيدا عن أمثلة النجاح الفردي، وذلك لاستمالة الفكر المضاد للرأسمالية.
إضافة لاستمالة العواطف التي تجد أن الاقتصاد الصيني قائمٌ على التخطيط والاجتهاد والعمل فقط.
ثالثا. أثبتت وعلى مدار عقود التقدم التكنولوجي وبشكل هادئ وسلس.
وذلك بهدف تحقيق الاختراق الدولي وتمكين شركاتها من مختلف المفاصل العالمية.
وهذه الأمور السابقة تأتي على خلاف السلوك الأمريكي في التباهي التكنولوجي، حتى وإن كانت تمتلك من التكنولوجيا ما تدعي.
نحن حتى الآن أمام تجربة صينية مختلفة عن التجربة الأمريكية كان آخرها فيما يتعلق بالشركات الكنولوجية الكُبرى.
ففي الوقت الذي تستجوب فيه أمريكا شركات التكنولوجيا الكُبرى بدعوى الحرية وحماية الحقوق، نجد أن الصين حريصة على إظهار مدى تعاونها مع شركاتها التكنولوجية الكُبرى، واهتمامها بشؤونها الداخلية وحمايتها على الصعيد الدولي وعلى رأسهم هواوي.
وكثيرة هي الأدلة التي تؤكد على أن الصين لا تريد أن تكون ولايات متحدة أمريكية جديدة.
فها هي التصريحات الصينية تصدر بشكل دوري في مدى اهتمام الدولة على مد يد العوّن والتشارك الدولي، وتقديم الحلول الدولية.
ناهيك عن التصريحات الأخرى التي تنظر إلى الدول الأخرى كفواعل رئيسية على الصعيد الدولي وتحديدا من خلال التعاونات الاقتصادية.
وفي المحصلة فإني أعتقد بأن الاتجاه القادم للصين يتمثل بتشكيل قُطبيّة جماعية أمام القطب الأمريكي الواحد.
بحيث تتشارك الصين مع حلفائها، وتمد يد العون مع خصوم خصمها، وتقف على الحياد بإيجابية مع حلفاء خصمها وخاصة في ظل وضعهم الاقتصادي الصعب.
وهذا السلوك لا يعبر عن كره الصين للزعامة المتفردة، وإنما يعبر عن حرصها على تجنب ما وقعت فيه أمريكا لعقود سابقة.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية