يعتقد البعض بأن عمل الموظف لساعات طويلة، أو بقائه لسنوات طويلة في شركة ما، سيكون دليلا على ولائه، إلا أن ذلك وبحسب المختصين بعلم الإدارة، ليس دليلاً على الولاء لشركة ما، فما المقصود بالموظف المخلص؟ وكيف ستقوم الشركات بالحفاظ على ولاء الموظفين في ظل كورونا؟ وهل خسرت الشركات أكبر فرصة لكسب ولاء الموظفين في ظل كورونا؟
من هي الشركات التي قامت بتسريح موظفيها في ظل كورونا؟
بحسب بيانات منظمة العمل الدولية، فإن عدد العاملين في العالم يبلغ أكثر من 3.5 مليار كما في نهاية العام 2013، وهو ما يمثل نصف سكان العالم تقريبا، وقد تعرض العاملين إلى تهديد حقيقي وكبير في الأزمة المالية العالمية 2008 حيث فقدت أكثر من 2.5 مليون وظيفة في ثلاثة شهور من انطلاق الأزمة، وبقي هذا الرقم شبحاً مُرعباً للاقتصاد حتى بعد انتعاشه في العام 2011، إلّا أن هذا الرقم لم يمثل سوى 10% من عدد الوظائف المفقودة عالميا بشكل تام خلال خمسة أسابيع من انطلاق الكورونا، حينما وصلت الأعداد إلى 26 مليون شخص، وقد سارعت الحكومات والأجهزة الرسمية في حث الشركات والمؤسسات على الاحتفاظ بموظفيهم، ودفع نسبة معينة من مستحقاتهم، حرصا على عدم تكرار سيناريو الأزمة المالية 2008 أو سيناريو الكساد العظيم 1929، إلا أن كبريات المؤسسات والشركات، لم تستطع الإبقاء على نسبة كبيرة منهم، وعلى رأس هذه الشركات كانت شركات الطيران، وشركات النقل العام، كان أبرزهم شركة UBBER، وشركة Hertz، ولم يقف الأمر على هذه الشركات التي تعرضت للتوقف الجزئي أو التام فحسب، بل إن الأمر طال بعض شركات التكنولوجيا وعلى رأسها شركة IBM.
وهنا تبرز مسألة الولاء؛ حيث إمكانية القضاء على ولاء الموظفين الذين فقدوا أعمالهم، أو زعزعة الثقة لدى أولئك الذين استمروا على رؤوس أعمالهم، وذلك بسبب شعورهم بإمكانية التخلص منهم في أي لحظة، وكما تمت الإشارة في مقدمة المقالة، فإن الولاء لا يمكن قياسه بعدد ساعات العمل، أو عدد سنوات العمل في شركة ما، فقد أشارت الباحثة Chitra Reddy إلى أن ولاء الموظفين لشركاتهم، يشير إلى أولئك الموظفين الذين يكرسون جهودهم لنمو شركتهم، ويعتبرون مصلحتهم نابعة من مصالح الشركة، ويمتلكون مشاعر قوية تجاه شركاتهم وارتباطا أكبر بها، كما أن لديهم استعدادا قويا للقيام بالاستثمار في شركاتهم بشكل خاص، أو حتى الذهاب للتضحية الشخصية من أجل رفاهية الشركة.
وفي ظل فايروس كورونا الذي انطلق بداية العام الحالي، سارعت الشركات والمؤسسات لتخفيف المصاريف التشغيلية، ونفقات الموظفين كانت واحدة من أهم هذه المصاريف، وذلك إما حفاظا على قدرة الشركة على الاستمرار وسط الضغوط الاقتصادية الراهنة، أو استعدادا للدخول في مرحلة التصفية والإعلان عن الإفلاس، وقد تركز هذا السلوك في كل من أمريكا وأوروبا وبعض الدول الآسيوية، بينما انخفض بشكل كبير لدى الشركات في البلاد العربية، حيث احتفظت العديد من المؤسسات بموظفيهم، إما بالأجر الكامل، أو نصف الأجر كحد أدنى، وذلك لتلافي ارتفاع نسبة البطالة، ولمنع تحول الركود الاقتصادي لكساد عظيم آخر، وبالتالي لمنع انهيار الشركات نفسها في مرحلة متقدمة من الانهيار الاقتصاد الذي تخشاه أكبر الدول.
ويكمن الآن السؤال عن الآلية التي يمكن استخدامها من قبل الشركات لرفع ولاء الموظفين لها، في ظل جائحة كورونا وما بعدها. إن الحديث في الوقت الحالي عن الآليات التقليدية ذات العلاقة بالراحة والبيئة المثالية، والتدريب والنمو وتطوير الأداء، سيكون حديثا غير ذي جدوى في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة، حيث مخاوف الشركات من تكبد تكاليف إضافية ستكون كفيلة بعدم الحديث عن هذه الآليات القديمة (قديمة تبعا لحقبة العالم ما قبل الكورونا وليس اعتمادا على أي فترة زمنية تقليدية)
ولابد من الإشارة إلى أن الآليات الحديثة، ستوليها الأدبيات والشركات حيزاً جيداً من الاهتمام، وفيما يلي آليتين من الآليات المنخفضة التكلفة مقارنة بتوفير البيئة المثالية، أو مصاريف التدريب والنمو.
الآلية الأولى: العامل النفسي للموظف
ونقصد هنا أبسط الأمور التي يمكن استخدامها من قبل الشركات خلال أزمة كورونا نفسها، من حيث تواصل الشركات مع موظفيهم، وطمأنتهم والاطمئنان عليهم، واستخدام الشفافية كعامل من عوامل بناء الثقة، من حيث إطلاعهم على مجريات الأحداث (قدر الإمكان)، وذلك لجعلهم أفرادا من أسرة الشركة الحريصين على مستقبل الشركة وديمومتها.
الآلية الثانية: العامل المادي
وتشير الإحصائيات إلى أن متوسط نسبة الأجور من أرباح الشركات قد تصل إلى 27.5% لدى العديد من الدول الأوروبية، وتنخفض بعض الشيء في الدول العربية، وهذا يعني أن الشركات تستطيع العمل على دفع الأجور، أو جزءاً منها للموظفين والاحتفاظ بهم ورفع نسبة ولائهم وانتمائهم للشركات، وذلك في الوقت الذي يمكن للشركات الأخذ بعين الاعتبار عدم قدرتها على تحقيق الأرباح بالشكل المأمول، أو حتى عدم تحقيقها للأرباح بشكل كامل للسنة الحالية، أو السنة القادمة كحد أقصى وفق ما أشار إليه البنك المركزي الأوروبي.
إن أهمية ولاء الموظفين للشركات بعد كورونا، لن تنخفض بعد الكورونا، بل إن أهميته ستزداد، كوّن أن هذا الولاء سيكون المحرك الأساسي في زيادة الإنتاجية، وتحقيق الشركة لأهدافها، وتمكينها من النمو المستقبلي، وتحسين صورتها في المجتمع، وزيادة قاعدة زبائن الحاليين والمحتملين.
إن الأيام القادمة ستحمل تغييرات كبيرة وكثيرة، في مجال العمل وبيئته، والعلاقة بين الإدارة والموظفين، وسيكون لنا بإذن الله تعالى مقالات مستقبلية ذات علاقة بهذا الشأن بإذن الله تعالى.
وللإطلاع على التقارير الاقتصادية المميزة يمكنكم زيارة موقع كواليس المال.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية