كثيرة هي إطلالات الاقتصادي العالمي طلال أبو غزالة، وكثيرة هي إشاراته لإمكانية قيام حرب بين الصين وأمريكا، بل إنه ذهب للتأكيد على موعدها، وبأنها اقتربت؛ حيث كانت آخر تصريحاته تشير إلى شهر أكتوبر من العام الحالي، كموعدٍ لقيام الحرب الصينية الأمريكية، والسؤال الآن: هل يمكن أن تكون الحرب بين الصين وأمريكا قريبة؟!
قبل الإجابة عن هذا السؤال المصيري، فإنه لابد من العودة بالترتيب للإحداث الاقتصادية والخلافات التجارية التي دارت رحاها قبل عامين، حينما شن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حرب التعريفات الجمركية المفروضة على الصين، فما كان من الصين إلا الرد على هذه التعريفات بفرض تعريفات أخرى مضادة على السلع الأمريكية الواردة إلى الصين، ثم تلاها عشر شهور كاملة من الرد والصد، تخللها حدث هامٌ جدا، وهو إعلان حرب الولايات المتحدة الأمريكية على الشركة التكنولوجية الصينية الرائدة (هواوي) وذلك حينما تم اعتقال ابنة رئيس الشركة الصينية في كندا بناء على طلب أمريكي، وذلك كاستخدامها كورقة ضاغطة على الحكومة الصينية والشركة على حد سواء، ولابد من الإشارة إلى أن هذه الفترة كانت زاخرة بالمحادثات والأخبار والتصريحات تارة، والتلميحات تارة أخرى، إلا أن هذه الأحداث لم تؤثر على عجلة الانتاج والاقتصاد الأمريكي، بل ولم تؤثر على عجلة الصين الانتاجية والابتكارية، وعلى قيام الصين ببناء شبكة علاقات اقتصادية كبيرة.
إن المتابع للأحداث خلال العامين المنصرمين، يجد بأن الصين قامت ببناء علاقات اقتصادية بعيدة المدى، والقيام بمشروع طريق الحرير الاقتصادي الأضخم عالميا، وذلك بهدف تحقيق رؤيتها بأن تكون قائدة العالم الاقتصادية الجديد، كما ذكر رئيسها عام 2017 في احتفالية للحزب الشيوعي الصيني، أما عن الولايات المتحدة الأمريكية، فنجد أيضا أنها اهتمت بتطوير أداء شركاتها، بل إن المتفحص للبرنامج الرئاسي يجد أن هناك دعما مباشرا قد تم تقديمه لتطوير أداء الشركات، وبالتحديد في المجال التكنولوجي، وفي تطوير تقنية الذكاء الاصطناعي؛ حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن غافلة عن الاهتمام الصيني بتطوير أداء شركاتها ودعمها بشكل هائل، على الصعيد المالي والبنيوي.
وإحقاقا للحق فإن السيد طلال أبو غزالة لم يتنبأ بقيام حرب صينية أمريكية بعد أحداث كورونا، بل إن توقعاته سبقت هذه الجائحة، إلا أن حدة هذه التوقعات زادت في الآونة الأخيرة، وباتت أكثر تحديدا بُعَيْد هذه الجائحة، وهنا تبرز الإجابة عن إمكانية قيام حرب صينية أمريكية قريبا؛ حيث أنني أجد كل معاني الحيرة أما المؤشرات المتضاربة، فعند التفكير في المؤشرات والأحداث المتسارعة، والاتهامات التي يتم إلقاؤها هنا وهناك، والقوائم السوداء التي تتم إضافة الشركات الصينية لها، والتعريفات الصينية المضادة للتعريفات الأمريكية، وتهديد الصين بسحب الشركات الصينية من السوق الأمريكية والبورصات الأمريكية، فإن ذلك يعطي مؤشراً واضحا لقيام حرب قريبة، ثم أعود للتفكير في المؤشرات الأخرى التي تستبعد فكرة قيام الحرب، بل والتي تحمل في طياتها تعاونا اقتصادياً أمريكيا وصينيا متقاطعا في العديد من الجبهات، ومنها مسألة استثمار الصين في السندات الأمريكية – وإن كان البعض لا يلقي لها بالاً أو اهتماما في دراسة العلاقة الصينية الأمريكية على الصعيد السياسي-، إضافة إلى المهادنة الصينية وسياسة التحكم بالأعصاب التي تنتهجها الصين في الرد على التهم الأمريكية، بل ومد يد التعاون الاقتصادي والحرص على الاتفاقيات السابقة، بل وتطويرها كما أشار منذ أيام وزير الخارجية الصيني، وغيرها من المؤشرات الإيجابية للعلاقة الصينية الأمريكية، إلى جانب الأخبار المفاجأة في التوصل إلى اتفاق صيني أمريكي بين الفترة والأخرى في مرحلة ما من مراحل الاتفاق الرسمي بينهما، بل إن المؤشرات الداخلية لكل بلد على حذة، يدفع بعدم التفكير باقتراب أي حرب؛حيث أن مستوى الإنهاك الاقتصادي الذي أحدثه كورونا لكلا البلدين، يستبعد قدرة أحدهما في قيام أي حرب، إلا أن هناك من سيجيب على هذه المؤشرات بالتحديد ويتصدى لها، مشيرا إلى أن قيام الحرب العالمية الأولى كانت في ظل أعوام اقتصادية سيئة على عكس الوضع الاقتصادي الذي وصل إلى ذروته في العام 1939 قبل الحرب العالمية الثانية، وهذا الاعتراض أمرٌ منطقي أيضا، بل إنه يدفع إلى الحيرة في الإجابة عن سؤال المقالة مرة أخرى.
إن الحديث عن المؤشرات والأحداث المتسارعة، يدفع بالقول إلى أن هناك تضارباً في التوقعات، وعدمَ قدرة في تحديد إجابة صريحة وواضحة على السؤال الرئيسي، حول ما إذا كانت الحرب الأمريكية الصينية قريبة أم لا؟
للبقاء على اطلاع دائم حول الاقتصاد المحلي والعالم، احرص على زيارة موقع كواليس المال.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية