نشرت صحيفة الفاينانشال تايمز تحقيقا مطولا، تشير من خلاله إلى تفاصيل غاية في الأهمية عن مسألة هيمنة الصين على العالم ولكن من باب شراء الجزر الاستراتيجية من حول العالم.
حيث تحدثت الصحيفة عن تفاصيل غاية في الدقة والغرابة عن محاولة الشركات الصينية، والتي تعود غالبا للحكومة بشكل أو بآخر، لشراء الجزر الاستراتيجية.
وقد تحدثت الصحيفة عن قيام أحد الشركات الصينية بمحاولة شراء جزيرة استراتيجية في جنوب المحيط الهادئ.
وذلك حينما قام نائب رئيس شركة China Sam Enterprise Group بتقديم عقد إيجار لمدة 75 عام لجزيرة Tulagi.
وهي الجزيرة التي تحتوي على ميناء طبيعي للمياه العميقة في جزر سليمان.
إلا أن هذه الصفقة تم حظرها بعد أن أعلن المدعي العام عدم قانونيتها، دون إثارة شكوك لدى خصوم الصين.
حيث لم يتم الانتباه إلى أن الصين تحاول بناء قاعدة عسكرية في هذا المكان الذي كان قد استضاف قوات البحرية البريطانية واليابانية والأمريكية.
وقد تفحصت الصحيفة هذه الشركة الصينية لتجدها بأنها تنتج أسلحة ولها صلات بوزارة الدفاع الصينية.
كما تبين للفاينانشال بأن الشركة قد تم تسجيلها كمستثمر أجنبي في جزر سليمان، لمحاولة العودة لاحقا وإبرام الصفقة على الجزيرة.
بينما كانت جزر سليمان، وفقا للصحيفة، أرضا لمحاولة استئجار أخرى من قبل شركة صينية أخرى أيضا.
وذلك حينما تقدمت شركة AVIC International Project Engineering تابعة لمجموعة طيران ودفاع صينية، بتقديم عرض آخر لأحد مقاطعات جزر سليمان.
وقد عرضت الشركة دراسة فرص تطوير مشاريع بحرية وبنية تحتية على أرض مستأجرة لبحرية جيش التحرير الشعبي مع حقوق حصرية لمدة 75 عاما .
إلا أن الحكومة الصينية نفت هذا الاتفاق بعدما تم تسريب العرض الأخير للشركة الصينية.
شراء الجزر يعني شراء الولاء؟!
يبدو أن هذه المحاولات التي تقوم بها الشركات الصينية، لم تكن سوى مقدمة لاتفاق آخر تم فعلا على أراضي جزر سليمان.
وتحديدا حينما زار رئيس وزراء جزء سليمان الصين عام 2019 لتوقيع اتفاق تم تسريب وثائقه الشهر الماضي.
حيث تبين أن الصين وجزر سليمان قاما بتوقيع اتفاقية أمنية للسماح للبحرية الصينية بزيارة موانئ جزر سليمان للأهداف التالية:
التزود بالخدمات اللوجستية.
مهام التجديد وتناوب الأفراد.
الصين تحاول وضع موطئ قدم في أكثر الأماكن حساسية!
يقول المحللون:
“إن الصين تحاول دون أدنى شك وضع موطئ قدم بحري لها في جنوب المحيط الهادئ بسبب تهديد هيمنة أمريكا وحلفائها في المنطقة”.
ويشيرون أيضا إلى قيام الشركات بمحاولات الإيجار ما هي إلا وسيلة تتوافق مع استراتيجيات وطموحات الصين.
وإذا تحدثنا عن محاولات الشركات السابقة، فإنها تعتبر واحدة من سلالة متنامية من الشركات الصينية التي تجوب العالم في محاولة تأمين شرائح استراتيجية من الأرض.
وبحسب الفاينانشال تايمز،
فإن هناك عشرات الحالات لمستثمرين صينيين غير معروفين يحاولون الحصول على إيجار لقطع أراضي كبيرة في أماكن حساسة.
حيث يشير التحليل إلى أنه وفي بعض الحالات ، تكون الأرض المستهدفة واحدة من الأمور التالية:
قريبة من حلفاء الولايات المتحدة أو منشآت عسكرية.
أو على جزر على طول ممرات الاتصال البحرية الرئيسية.
أو تطل على مضايق وقنوات مهمة.
شراء الولاء ومحاولة لإعادة تجارب الدول السابقة:
ويعلق دبلوماسي من جنوب شرق آسيا على هذه المحاولات قائلا:
“ما تقوم به الشركات الصينية الآن يشبه ما فعلته شركة الهند الشرقية البريطانية التي كانت وسيلة بريطانيا في الماضي”.
ويقصد بذلك أن الشركات تمثل وسيلة مباشرة لاندفاع الصين نحو أسواق جديدة ومجالات نفوذ جديدة.
بل إن هناك من يشير إلى أمر خطير أيضا، وهو أن الشركات الصينية تحاول وتنجح في تحويل ولاء الدول إليها بشكل كبير.
فعلى سبيل المثال، حولت جزر سليمان الاعتراف من تايبيه إلى بكين فقط في عام 2019.
وإذا دققنا النظر فسنلاحظ أن الصين أصبحت أكبر شريك تجاري لجزر سليمان قبل ذلك بسنوات من خلال تعزيز تواجد الشركات الصينية.
محاولات لتثبيت هيمنة الصين على العالم من بوابات أخرى (السلفادور والفلبين وكمبيوديا):
هناك محاولات عديدة قامت الفاينانشال تايمز برصدها، مثلما هو الحال مع السلفادور.
التي تبين أن هناك تاجر ومستثمر صيني المولد جاء إلى السلفادور يدعى فإن يانغ بو بعد قمع بكين الدموي للحركة الطلابية عام 1989 في ميدان تيانانمين واستحوذ على نصف الأرض في جزيرة Isla Perico. قريب من المنفذ المشمول نظريا بالمنع الحكومي من بيع الأراضي هناك.
ويقول إيفان إليس، الأستاذ في معهد الدراسات الإستراتيجية بكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي والذي يتابع مشاركة الصين مع أمريكا اللاتينية:
“لقد رأينا جهات فاعلة صينية غير حكومية تتحرك في انسجام تام لمساعدة الصين على اكتساب نفوذ اقتصادي وسياسي في أمريكا الوسطى”.
كما يقول جرايم سميث، الزميل في الجامعة الوطنية الأسترالية، والذي يقوم ببناء قاعدة بيانات عن الشركات الصينية في المحيط الهادئ.
“إن العديد من الشركات الصينية الخاصة تحاول الدخول في الأعمال المربحة لمشاريع التنمية الخارجية الممولة بأموال الحكومة الصينية”.
ليؤكد على النتيجة قائلا:
“هذه الاستثمارات والمشاريع هو ما يدفع هذه الدولة إلى التعاون ومن ثم طلب الحصول على الدعم من بكين”.
كما يتحدث المحللون بأن الشركات الصينية تقوم بالدخول في مشاريع تنموية طموحة للغاية في مجالات ليس لها خبرة فيها أساسا.
فمثلا عرض Fong Zhi ، وهو مشروع مشترك بين مجموعة عقارات صينية ومستثمرين من أصل صيني في الفلبين السيطرة على جزيرة فوجو في مضيق لوزون وبناء مدينة ذكية هناك.
والمتفحص لهذه القناة التي تفصل الطرف الجنوبي لتايوان عن أقاليم أقصى شمال الفلبين، سوف يُدهش لأن مكانها استراتيجي بشكل كبير.
حيث تمر كل من سفن البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني وسفن أمريكا وحلفائها عند العبور بين بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ.
كما يمكن الحديث عن كمبيوديا التي تقود فيها شركة صينية مشروع تنمية اقتصادية بقمية 3.8 مليار دولار.
ونحن نتحدث هنا عن منطقة تمثل خُمس ساحل البلاد المتضمن مدرجا عسكريا، وبالحديث عن الشركة فهي تابعة لشركة صينية للتطوير العقاري.
وبغض النظر عن هذه المحاولات وغيرها، فإن المسألة تشير بشكل كبير إلى محاولة هيمنة الصين على العالم بكل الوسائل والطرق حتى وإن كانت تعيد إحياء بعض الطرق بصبغتها الخاصة.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية