حينما انطلق فايروس كوورنا في شهر آذار من العام 2020، لجأ الكثيرون إلى الحجر الإلزامي، وهو ما واجهته الكثير من المؤسسات التعليمية منذ البداية، بإطلاق التعليم الالكتروني كبديل للتعليم الوجاهي، ثم تبعتها مراكز التدريب العملي والأكاديمي، الأمر الذي جعل موضوع التدريب الالكتروني مثارا للجدل، ما بين مؤيد ومعارضن ومشكك في استغلال هذه الظاهرة، أو عدم جدواها بالشكل المطلوب، وهو ما سنناقشه في هذه المقالة حول واقع دورات التدريب المهني الالكتروني .
إننا حينما نتحدث عن مسألة التدريب والشهادات المهنية، فإننا نتحدث عن موضوع على درجة كبيرة من الأهمية لتطوير الأداء.
حيث تلجأ المؤسسات على مختلف أشكالها إلى الحصول على عاملين وموظفين على قدر كبير من المعرفة والتدريب.
وهو الأمر الذي فتح الأبواب على مصرعيها أمام مؤسسات التدريب المهني لتقديم المحتويات على مختلف اشكالها.
وهذا أمرٌ مهم على مستوى الأفراد حديثي الخبرة، أو على مستوى الأفراد الذين يحتاجون مواكبة المستجدات الدولية.
إلا أن هذا الأمر احتاج ولسنوات طويلة إلى بذل الكثير من الأموال والجهود والوقت، على مستوى المؤسسات والأفراد.
حيث أنه وعلى صعيد المؤسسات، فقد كانت تتكبد الكثير من التكاليف على صعيد الأمور اللوجستية لعقد أية دورة.
أما على صعيد الأفراد، فقد كانوا يبذلون المال والجهد والوقت والسفر، لأخذ التدريب الكافي واللازم.
وقد بقي هذا الأمر طبيعيا حتى جاء فايروس كورونا، وقلب المعطيات ومجريات الدورات بشكلها الطبيعي، لتنتقل من الحيز المادي إلى الحيز الافتراضي.
حيث ازدهر سوق التدريب الالكتروني بصورة غير مسبوقة، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي على مختلف أشكالها وأنواعها زاخرة بالإعلانات المدفوعة عن تدريبات في مختلف الميادين والمواضيع.
وهو ما جعل خبراء قطاع التدريب يراهنون على أن سوق التدريب الالكتروني سيكون واحدا من أكثر الأسواق نموا.
بل وقد دفع ذلك الاهتمام إلى ازدهار منصات تواصل مرئية على رأسها زووم وشركات أخرى.
وقد لجأ الكثير من المدربين إلى الحديث عن أهمية امتلاك الخبرات أثناء فايروس كورونا، ليخرج المتدرب بحزمة من التدريبات اللازمة لسوق العمل ما بعد كورونا.
ولكن هذا الأمر يدفعنا إلى التساؤل عن الكثير من الأمور، والتي سنتناولها عبر المحاور التالية:
المحور الأول. هل نحن في عصر التدريبات أم عصر الشهادات؟
تقول عضو المجلس العام للتدريب التقني والمهني السعودي الدكتورة “عائشة عباس نتو”:
“أن العصر الحالي يعتبر عصر المهارات أكثر من كونه عصر للشهادات.”
وهو ما تحدث عنه أيضا أغنى رجل في العالم “إيلون ماسك” حينما قال بأن السوق يلزمه المدير المهني ذو الخبرة الإدارية أكثر من ذلك الذي يمتلك شهادات الماجستير أو الدكتوراة حتى.
وهو ما يمكن أن يُلقي بالكثير من التساؤلات عن مستقبل الشهادات العلمية العليا تحديدا، ومدى خطورة التركيز على التدريب المهني بشكل قد يشكل تهديدا للمؤسسات الجامعية.
إلا أن هناك من يشير إلى ضرورة الموائمة من قبل المتدرب على العنصر التعليمي والمهاراتي على حد سواء.
المحور الثاني. هل ما يتم دفعه للدورات التدريبية من تكاليف يعتبر عادلا مقارنة بما مضى؟
يلقي هذا المحور الضوء على تكلفة الدورة التدريبية، التي انتقلت من الحيز المادي الذي كان يُكبد المؤسسات التكاليف المختلفة، إلى الحيز الافتراضي الذي لا يُكبد المُدربَ سوى إلقاء مهاراته من بيته أو مركزه إلى المتدرب فقط.
كما يمكننا أن نتساءل عن عقلانية التكلفة الزهيدة للدورات التي تعد بتقديم الكثير من الأمور الغريبة وشهادات بمسميات متنوعة.
وهذا التساؤل يدفعنا إلى المحور الثالث، والذي يتعلق بالجهات المنظمة والمتابعة لهذه الدورات.
حيث يقول البعض بأنه يجب أن تكون هناك جهات رسمية تقوم بالمراقبة وتقنين الدورات التدريبية والأكاديمية.
إضافة إلى ضرورة نشر الوعي بين جمهور السوشال ميديا والذين قد يقعون ضحية التغرير بدورات تحمل مسميات أجنبية قد لا تلقى تطبيقا على أرض الواقع وتحديدا في الوطن العربي؟
المحور الرابع. هل هناك ضمانة بتوفير فرصة العمل لمجرد أخذ شهادة مهنية عبر الأون لاين؟
هذا المحور يتعلق بأكثر التحديات أمام من يلجأون إلى الدورات المهنية ووضع شهاداتها في سيرتهم الذاتية، لعلهم يحصلون على فرصة عمل لاحقا.
وهذا الأمر يتعلق بالمُدرب ومصداقيته، وأهمية الدورة فعليا، ووعي المتدرب، ونوعية المادة التدريبية وحداثتها.
وهو ما يعيدنا إلى المحور الثالث وضرورة التقنين والمراقبة والمتابعة من قبل الجهات الرسمية.
إن هذه المقالة تعتبر بذرة للتفكير في واقع الدورات التدريبية المهنية في ظل كورونا، والتي وعلى الرغم من أهميتها، إلا أنها تعتبر ظاهرة تستحق التأمل والتفكير بمحتوى الدورة ومقدمها وضرورتها لمعطيات ومتطلبات السوق.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية