يكاد لا يخفى على المتابع للمشهد السياسي مدى الخلاف الذي ظهر منذ سنوات في العلاقات التركية المصرية في ملفات مختلفة.
إلّا أن حدة الصراع ارتفعت على خلفية ملف منطقة شرق البحر المتوسط الاقتصادية وقضية التنقيب عن الغاز فيه، إضافة إلى استياء الجانب المصري من التدخل التركي في الملف الليبي.
ولكن هذه العلاقات أخذت منعطفا آخرَ وتحديدا منذ آب الماضي؛ حيث ظهرت بارقة أمل لتحسين العلاقات التركية المصرية.
وهو ما تجلى في تصريح الرئيس التركي طيب رجب أردوغان قبل أيام قليلة من إعداد هذا التقرير فيما يتعلق بمسألة التنقيب في شرق البحر المتوسط عن الغاز؛ وذلك حينما أشار إلى تعاونٍ ممكن ومُرحب فيه من خلال محادثات استخباراتية مع مصر.
مؤكدا على أن هذا التعاونُ أمراً غير مستبعد، على الرغم من استيائه من اتفاق مصر مع اليونان.
ما هو السبب الكامن وراء إشارات التعاون التركية المصرية؟
إن الوضع الاقتصادي التركي والمصري على حد سواء، يعيش في ظل أزمة تحتاج إلى تفكير استراتيجي أكثر شمولا.
فعلى الصعيد التركي، تعيش الليرة التركية أسوأ أوقاتها على الإطلاق، ويعتبرها الكثيرون أنها العملة ذات الأداء الأسوأ خلال الجائحة الحالية.
ناهيك عن ما تكبده الاقتصاد التركيُ من خسائر كبيرة على مستوى السياحة والصناعة، ناهيك عن تراجع ناتجها المحلي الإجمالي.
إضافة إلى حاجة الجانب التركي للتركيز على الشأن الداخلي، والمنعطف السياسي الجاد الذي سيدخله حزب أردوغان وحاجته لبسيط السيطرة عبر الاستقرار الاقتصادي وإثبات الذات.
أما على المستوى المصري، فالأمر لا يقل خطورةً؛ حيث تشير المؤسسات الدولية إلى تضرر القطاعات الاقتصادية المصرية أيضا.
تفسير التقارب التركي المصري:
إن تفسير التقارب بين الجانبين التركي والمصري يمكن أن يتم من خلال الآتي:
أولا. حاجة الجانبين إلى تمكين أنفسهم اقتصاديا في ظل أوضاع أكثر استقرارا على الصعيد الدولي.
ثانيا. على الرغم من أن عملية شرح الأوضاع الاقتصادية التركية المصرية بشكل شامل في مقال بسيط دفعة واحدة، تكاد عملية غير منطقية؛ إلا أن التعريج على وضع الاقتصاد في البلدين كفيلٌ بتفسير التقارب ، بل وتوقع تحسّنٍ في العلاقات التركية المصرية في القريب العاجل.
ثالثا. يجب الاعتراف بأن الخلافات السياسية المتنامية بين البلدين لم تنعكس بشكل كبير على الأوضاع التجارية بينهما.
حيث هناك بعض الإحصائيات التي أشارت إلى ارتفاع التبادل التجاري من قبل الطرفين وفيما يلي بعض الأمثلة:
التبادل التجاري بين تركيا ومصر:
بالعودة إلى موقع trading economics التابع للأمم المتحدة يظهر ارتفاعا في الصادرات المصرية إلى تركيا – على الرغم من انخفاضه عام 2019-، إلا أنه يبقى رقما جيدا على صعيد البلدين المتنافرين.
أما على الجانب التركي فقد اشارت وزارة التجارة التركية على نمو حجم التجارة مع الجانب الصيني بقيمة 4.43 مليار دولار في العام 2017 مرتفعة عن العام الذي سبقه بنسبة 4%.
الاهتمام الرسمي ومحاولات التوافق الاقتصادي:
يشير بعض الخبراء في مصر إلى الرغبة المصرية في تحييد الملف الاقتصادي والاستثماري بين تركيا ومصر عن أية خلافات سياسية.
خاصة وأن وفد رجال الأعمال قد أشار إلى مدى التعاون ومبادرة حسن النوايا الصادر عن الجانب المصري فيما يتعلق بالتجارة التركية.
في النتيجة فإن الاقتصاد سيحدد مستقبل العلاقة الرسمية والتي ستتكشف بشكل أكبر في القادم من الأيام.
هذه مقالة بسيطة لمحاولة تسليط الضوء على تحسن العلاقات الاقتصادية التركية المصرية وخاصة في ملف الغاز والتجارة.
فيما سيتم تسليط الضوء على المعطيات أولا بأول عبر تقارير ومتابعات دورية بإذن الله.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية