تمثل تجارة النفايات العالمية تجارة ذات حجم هائل وصل إلى 38.4 مليون طن في وقتنا الراهن، بينما وصلت قيمة اسواق إعادة تدوير نفايات البلاستيك لوحدها فقط إلى 34 مليار دولار لعام 2019، ويُرجح أن تتجاوز 60 مليار عام 2027.
وتعبر تجارة النفايات العالمية عن تلك الاتفاقيات المنعقدة بين الدول لتبادل نفاياتها والعمل على معالجتها وإعادة تدويرها.
مزايا هذه التجارة وخطورتها بين مؤيد ومنتقد:
يشوب هذه التجارة الكثير من المشاكل والتشكيك في النوايا المعلنة من قبل المؤيدين لتجارة النفايات عالميا.
حيث وصف البنك الدولي في أحد تقاريره هذه التجارة قائلا:
“تتسبب هذه التجارة في إحداث مشاكل لدى الدول النامية نتيجة استيرادها لنفايات الدول الاقتصادية الأكثر تصنيعا.”
ما هي طبيعة تحرك النفايات حول الكرة الأرضية؟
ويمكن التعرف على الطبيعة الجغرافية لحركة هذه التجارة من خلال تتبع تدفقاتها وانتقالها بين الدول المستودرة والمصدرة.
حيث تتخذ نمط التدفق من دول شمال الكرة الأرضية وتصديرها إلى الدول الواقعة في جنوبها.
وذلك بسبب تركز الدول الصناعية والإنتاجية في دول شمال الكرة الأرضية، فيما تقع الدول الفقيرة والنامية في الجنوب.
كما يربط العلماء والباحثون هذا النوع من التجارة بانتشار النظرة النيوليبرالية القائمة على الحرية الاقتصادية المطلقة بعيدا عن تدخل الدولة.
حيث تحول العالم نحو هذه النظرة في نهاية القرن العشرين، وتحديدا في الثمانينات، وزادت من حدة الدورة الانتاجية والصناعية.
وهو ما تسبب في زيادة حادة في حجم هذا النوع من التجارة بشكل عالمي واسع، خاصة مع زيادة العولمة وانفتاح العالم على بعضه البعض.
بينما رآى البعض بأن الدول المتقدمة التي نادت بدمج الدول النامية في الاقتصاد العالمي، لم تكن مهتمة بمصالح تلك الدول.
حيث سعت الدول المتقدمة إلى تحرير الأسواق العالمية وفتحها لاستقبال نفاياتهم بمختلف أنواعها وأشكالها.
ويحتدم الجدل بين المؤيدين لهذا النوع من التجارة بدعوى استفادة الدول النامية من هذه النفايات من خلال إعادة تدويرها، وبين من يرى بأن هذه التجارة ما هي إلا استغلال للبلدان الفقيرة والنامية التي لا تمتلك ما يمكنها من التعامل مع الكثير من أنواع هذه النفايات.
الاستعمار السام: هو الاسم الآخر لهذه التجارة!
أطلق المنتقدون على هذا النوع من التجارة اسم الاستعمار السام، وذلك بسبب أن الاستعمار يقوم على عدم المساواة العالمية من خلال التجارة.
وقد تم استخدام كلمة الاستعمار لأن التبعية الاقتصادية التي تقوم عليها هذه التجارة بين الدول المتقدمة والنامية تتقاطع مع خصائص الاستعمار المنطوية على التبعية والاستغلال وعدم المساواة.
أبرز النفايات الخطرة والسامة حديثا:
ونحن إذ نتحدث عن أنواع كثيرة من النفايات، إلا ان أبرز هذه النفايات السامة والضارة يتعلق حاليا بالنفايات الالكترونية والكهربائية والكيميائية ونفايات الطعام التي تعد هدرا ماليا دوليا كارثيا.
حيث ارتفعت وتيرة الاهتمام بالتكنولوجيا، فيما زادت النفايات الكيميائية نتيجة الانتاج الدوائي خلال العام 2020 حتى وقتنا الحالي.
حيث تم تقدير حجم النفايات الالكترونية لوحدا بما يصل إلى 50 مليون طن سنويا أغلبها يأتي من الولايات المتحدة وأوروبا.
أما عن أهم المناطق التي تستقبل النفايات الالكترونية فتأتي مقاطعة جيوا في الصين والتي يطلق عليها اسم مكب النفايات الالكترونية العالمي.
أما النوع الآخر من تجارة النفايات الغريبة، فيتعلق بتجارة السفن المحطمة، والتي يتم التخلص منها من قبل الدول المتقدمة في آسيا تحديدا.
حيث يتم تصدير هذه النفايات في الصين وبنغلاديش، ويتحدث الباحثون عن خطورة هذا النوع من النفايات على الصحة والبيئة.
ما هي الجهود الدولية المبذولة لتنظيم هذه التجارة؟
وقد كانت هناك استجابات دولية لأصوات المعارضين لتجارة النفايات، فتم تنظيم الاتفاقيات الدولية المؤطرة لهذه التجارة.
كما تم توقيع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة ضمن اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود.
إلا ان هذه الاتفاقيات والجهود المبذولة لتنظيم تجارة النفايات لاقت الكثير من الانتقادات، خاصة وأن هناك عمليات احتيال وإخفاء شحنات نفايات دولية.
أبرز الجهود الدولية لمكافحة تجارة النفايات:
أما عن التحركات الدولية الجادة، فتتمثل فيما قامت به الصين عام 2017 من تقنين هذه التجارة.
حيث أفرضت الحكومة الصينية قانونا يحظر استيراد النفايات نهاية عام 2017، لأسباب اقتصادية، أهمها:
-
استخدامها كورقة ضاغطة اقتصادية بسبب أنها تعتبر واحدة من أكبر مستوردي نفايات البلاستيك من أمريكا.
-
الانتقال إلى المراحل المتقدمة من خطتها واستراتيجيتها التصنيعية الذاتية.
-
الاهتمام التدريجي بالبيئة والمناخ وتقليل انبعاثات الكربون (وإن كان الكثيرون يشككون في هذا السبب)
كما حظرت استيراد عدة أنواع من النفايات، بما في ذلك البلاستيك بدءًا من أوائل عام 2018.
وقد أثر الحظر بشكل كبير على صناعات إعادة التدوير في جميع أنحاء العالم.
حيث كانت الصين أكبر مستورد في العالم لمخلفات البلاستيك ومعالجة المواد البلاستيكية التي يصعب إعادة تدويرها لدول أخر، وخاصة في الغرب.
وقد اتخذت الصين هذا الاسلوب الاستيرادي في بداية انطلاقتها في نهاية الثمانينات والتسعينيات، وذلك للعديد من الأسباب أهمها:
-
استغلال الأيدي العاملة الكثيرة وتشغيلها في عملية الفرز والتنقيب وإعادة التدوير.
-
العمل على انعاش الاقتصاد في بعض المناطق النائية من خلال مشاريع إعادة التدوير.
-
زيادة القدرة التصنيعية من خلال استخدام المواد المعاد تدويرها.
هذه كانت نبذة عن تجارة النفايات العالمية التي ما زالت حتى يومنا الحالي تمثل ورقة دولية شائكة وخطرا جاثما على مستوى الصحة والبيئة.
المصادر:
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية