تزداد معاناة فلسطين مع استمرار تدهور مؤشراتها الاقتصادية مثل ارتفاع مستويات الفقر، وزيادة البطالة، والارتفاع السريع في الخسائر الناجمة عن الاحتلال، إلى غير ذلك من أمور تزيد من مشاكل اقتصاد فلسطين بشكل أكثر عمقا.
حيث تواجه السلطة الفلسطينية منذ أشهر صعوبة مستمرة في دفع رواتب موظفيها، وشائعات تتعلق بتأخير الرواتب في كل مرة، وذلك وفقا لما نشرته صحيفة Daily Sabah الدورية.
وعلى الرغم من أن القطاع الخاص أصبح المقرض الرئيسي للسلطة الفلسطينية، إلا أنه لم يعد هناك اليوم المزيد من السيولة النقدية.
حيث وصلت البنوك إلى حدودها القصوى، وذلك بسبب ما أورده وزير المالية الفلسطيني “شكري بشارة”.
حيث قال “بشارة” خلال اجتماع افتراضي مع مانحين دوليين لمناقشة واقع اقتصاد فلسطين :
“إن الاقتراض الحكومي من البنوك لم يعد خيارًا بسبب ظروف السيولة المحدودة في القطاع المصرفي الفلسطيني”.
كما حذر “بشارة” من مستقبل اقتصاد فلسطين القاتم إذا لم يتم ضبط الأوضاع المالية مع إسرائيل.
بينما دعا “بشارة” المجتمع الدولي إلى مساعدة السلطة الفلسطينية في تسوية ملفاتها المالية العالقة مع إسرائيل.
وهذا من شأنه أن يوفر لها أكثر من 500 مليون دولار سنويًا، وتجنب الانهيار المالي، خاصة في ظل تراجع المنح الدولية ووصول الاقتصاد الفلسطيني إلى الحد الأقصى في توليد الإيرادات المحلية.
كما أشار “بشارة” إلى الملفات التي يجب معالجتها كمحاولة لإنقاذ الوضع الاقتصادي.
ومن بين هذه الملفات التي يجب معالجتها، ملف الإعفاء من الرسوم المتراكمة للمسافرين المغادرين والتي تراكمت منذ عام 2008.
حيث تحجز إسرائيل حاليًا حوالي 740 مليون شيكل (225 مليون دولار).
كما عمدت حكومة الاحتلال إلى تقليص العمولة التي تجمعها مقابل تحصيل أموال المقاصة الفلسطينية من 3٪ إلى 1٪.
حيث وصف بشارة عن هذه الاستقطاعات:
“إن إجمالي مبلغ هذه الاستقطاعات خلال 14 عاما بلغ 10 مليارات دولار.”
بينما دعا الفلسطينيون إلى الإفراج عن الخصومات التي تم حجبها من جانب واحد من عائدات المقاصة منذ عام 2019.
وهو مبلغ متراكم قدره 810 ملايين شيكل (247 مليون دولار) من الأموال التي خصصتها السلطة الفلسطينية لعائلات الشهداء والجرحى والأسرى.
ومن بين الملفات المعلقة الأخرى، ملف الضرائب والرسوم على مشتريات الوقود من حكومة الاحتلال.
حيث تطالب السلطة الفلسطينية بإعفاء ضريبي من شركة تزويد الوقود الإسرائيلية تبلغ حوالي 40٪ من عائدات المقاصة الشهرية للسلطة الفلسطينية.
وقد قال “بشارة”:
“إن عدم دفع هذه النسبة سيسمح للسلطة الفلسطينية بتوفير ما يصل إلى 82 مليون دولار شهريًا من التدفق النقدي.”
بينما حذر “بشارة” من تفاقم الصعوبات المالية للحكومة بعد سلسلة أزمات على مدى السنوات الثلاث الماضية في وقت تقترب فيه مساعدات المانحين من الصفر.
واعتبر “بشارة” أن كل مبادرات الحكومة للإصلاح المالي لن تساعد في معالجة العقبات الهيكلية الممتدة ل55 عاما من الاحتلال.
وأضاف:
“هناك حدود لما يمكن أن نفعله من حيث ترشيد الإنفاق، وهذا بالنظر إلى حقيقة أننا لا نملك سوى سيطرة عملياتية شكلية على 20٪ من الأراضي الفلسطينية المحتلة بينما نتحمل النفقات المصاحبة لـ 80٪ من ماذا بقي منها “.
وفي هذا السياق، قال “بشارة” أيضا:
“إن إنفاق الحكومة على قطاع غزة يبلغ 35٪ من إجمالي الإنفاق العام ، دون أي إدرار للدخل.”
أما عن دين الحكومة للبنوك فيبلغ حاليا 2.3 مليار دولار، مرتفعا عن 1.4 مليار دولار في عام 2019 وفقا لوزير المالية.
كما يزداد الوضع سوءا في قطاع غزة نتيجة الحصار والحروب الثلاث التي أنهكت القطاع خلال 12 عاما مضت، إلى جانب الانقسامات التي شلت الاقتصاد المحلي الغزي.
حيث أصبحت غزة غير صالحة للعيش بشكل متزايد في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية والمتفاقمة.
ولا يختلف هذا الوضع سوءا في القدس الشرقية، والتي يعاني سكانها من وصول محدود إلى المياه والرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية الأخرى.
إلى جانب معاناة أهالي القدس من عمليات الإخلاء القسري وتهديم منازلهم وبنيتهم التحتية.
أما عن صادرات السوق الفلسطينية الصغير للكيان الصهيوني والذي يحتل المركز الرابع بعد أمريكا والصين وبريطانيا، فإنه يعاني أيضا، بشكل لا يمكنه من تغطية العجز التجاري الناتج من الاستيراد والتصدير.
بينما منع الاحتلال الشعب الفلسطيني من تطوير موارده من النفط والغاز الطبيعي في غزة والضفة الغربية.
وبالتالي، تقدر الخسائر المتراكمة المقدرة بمليارات الدولارات وتكلفة الفرصة البديلة المرتبطة بالتنمية الضائعة مذهلة.
ولا تعتبر هذه الأزمة أمرا جديدا أو مفاجئا حيث توقعتها التقارير الدورية الصادرة عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حينما أوصيا بضرورة القيام بما يلي:
-
دعوة السلطة الفلسطينية لمواصلة إجراءات الضبط المالي لتقليص عجزها.
-
التوجه نحو دعوة المجتمع الدولي لزيادة دعم الميزانية للسلطة الفلسطينية.
-
ودعوة حكومة الاحتلال التخفيف من سياساتها وإجراءاتها التقييدية التي تخنق الاقتصاد الفلسطيني.
إلا أن المشكلة تزداد الآن عمقا بسبب انخفاض الدعم المباشر للموازنة الفلسطينية على مدى السنوات الماضية بنسبة كبيرة بلغت 58%.
بينما سجلت المساعدات المالية العربية للسلطة الفلسطينية انخفاضا كبيرا.
ناهيك عن مسألة الخناق التجاري والظروف الصحية التي ألقت بظلالها السيئة على الاقتصاد الفلسطينية، إلى جانب الكثير من الإشكاليات الخاصة بمستويات الفقر وارتفاع الأسعار وغيرها من المشاكل الاقتصادية التي فرضتها كورونا.
وهذا كله يدفع إلى ضرورة التفكير بخطوات أكثر جدية إما لوضع حلول للاقتصاد الفلسطيني من خلال انهاء ملفات شائكة منها ملفات الانقسام، وتشجيع الاستثمار.
إلى جانب غيرها من الملفات الشائكة الأخرى والتي تلقي بظلالها -إذا ما تمت معالجتها- على إحدى الأمرين:
-
إما الخروج من الأزمة بشكل تدريجي، وفق أفضل سيناريو.
-
أو عدم الإيغال فيها بشكل أكبر على أقل تقدير.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية