على الرغم من التفاؤل العام ببدء رفع أسعار الفوائد كجزء من حل معضلة ارتفاع مستويات الأسعار، وتحديدا من قبل المسؤولين الحكوميين لدى الاقتصاد الأمريكي والأوروبي، إلا أن هناك معضلة تدور في أفق سوق السندات الدولية ، قد تعيد إلى الذاكرة كارثة قد وقعت قبل عشرين عاما.
حيث تسير سوق السندات الدولية في طريقها نحو أسوأ أداء لها منذ عام 1999، حينما حدثت كارثة فقاعة الدوت كوم.
ما الذي حدث عام 1999؟
لقد دفع معدل التضخم العالمي المرتفع آنذاك، فئةَ الأصول (سوق السندات في هذه الحالة) لأن تكون حساسة بشكل كبير (بمعنى أنها تترنح أمام أي مشكلة أو أي حدث).
وقد توجه المستثمرون آنذاك لترك السندات، والتوجه نحو أسواق الأسهم التي امتازت بأداء مرتفع جدا ومبالغ فيه.
قبل أن يصطدم الجميع بفقاعة الدوت كوم، والتي انهارت اسواق المال على إثرها بشكل كبير.
من تنبأ بكارثة أسواق السندات العالمية الآن؟!
تنبأ مؤشر باركليز العالمي للسندات الإجمالي (والذي يزن 68 تريليون دولار من سندات الحكومة والسندات) بهذا الحدث، وذلك بعدما لاحظ عوائد سلبية بنسبة 4.8% حتى نهاية العام 2021.
أما عن هذه العوائد المنخفضة، فتشير الفاينانشال تايمز بأنها جاءت نتيجة حدثين:
عمليات البيع المكثفة للديون الحكومية في بداية العام، بسبب تخلص المستثمرين من السندات الحكومية وتفاؤلهم بانتهاء الوباء.
إشارة البنوك المركزية في الخريف إلى استعدادها للقيام برفع أسعارالفوائد لكبح جماح التضخم.
وقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تمثل أكثر من ثلث هذا المؤشر، ارتفاعا في ارقام التضخم لأعلى مستوى منذ 40 عاما، وذلك حينما وصل التضخم 6.8%.
وهو ما دفع إلى رفع أسعار الفوائد على السندات الحكومية، لتعكس هذه الارتفاعات أمرين مهمين جدا، وهما:
الأول. حماية سوق السندات من الانهيار، عبر الترغيب بأسعار فوائد مرتفعة.
أما الآخر، فيعني أن أسعار السندات قد هبطت بشكل كبير بعد رفع أسعار الفوائد عليها (العلاقة بين العائد على السند وسعره عكسية).
ويمكنك ملاحظة ارتفاع العوائد على السندات الأمريكية على النحو الآتي:
-
عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات ارتفع إلى 1.49% من 0.93%.
-
بينما ارتفع العائد على عامين إلى 0.65% من 0.12%.
وقد قال “جيمس آثي” مدير المحفظة في أبردين ستاندرد إنفستمنتس:
“لا ينبغي أن نتفاجأ كثيراً من أن السندات تعد استثمارا سيئا عندما يصل التضخم إلى 6%”.
كما وأكد على أن الأخبار السيئة بالنسبة لمستثمري السندات ستكون أن العام القادم سيكون صعبا، في حال تحركت البنوك المركزي بأسرع مما كان متوقعا.
الصورة المغايرة والمعارضة لهذا التنبؤ!
هناك من رأى صورة مغايرة وتفيسرا مختلفا للأمر، وأكدوا على أن الخوف من انهيار سوق السندات أمر سابق لأوانه.
خاصّة وأن هناك من يرى عدم قدرة رفع أسعار الفوائد العام المقبل على إحداث انتعاش اقتصادي مفاجئ.
وهو ما أشار إليه “نيك هايز” مدير محفظة في مديرو أكسا للاستثمار، وذلك حينما قال:
“كلما ارتفعت معدلات الفائدة اليوم، كان عليها أن تتراجع أكثر في غضون عامين”.
وأضاف قائلا:
“وإذا ارتد سوق الأسهم قليلاً ، فسيرغب الناس فجأة في السندات مرة أخرى، وهو ما يستبعد هذا التنبؤ”.
وما بين النظرة المتشائمة والمتفائلة، فإنه لا بد من عدم إغفال ما يمكن أن يحدث في سوق حيوي وفعّال وضخم، كسوق السندات، والذي كان جزءا مهما من برامج التيسير الحكومي التي أطلقتها حكومات مختلفة لإنقاذ ما يمكن انقاذه طوال فترة الجائحة.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية