مع إعلان روسيا بدء عملياتها في الأراضي الأوكرانية، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الاتحاد الأوروبي وحلفاؤهم بفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا ، وذلك لقطع الوصول الرسمي الروسي لمئات المليارات من الدولارات وتعطيل جزء كبير من تجارتها الدولية، ومعاقبة العديد من الشخصيات والكيانات ذات العلاقة بالرئيس الروسي فلادمير بوتين.
ولكن بوتين ذكّر العالم، وتحديدا خلال الأسبوع الماضي، بأن لديه أسلحة اقتصادية خاصة به، يمكن استخدامها لإلحاق بعض الألم أو صد الهجمات وفقا لمقالة منشورة لباتريشيا كوهين عبر النيويورك تايمز.
ويبدو أن إجراءات بوتين وتحديدا من خلال نفطه وغازه الذي هدد فيه 48 دولة غير صديقة، قد آتت ثمارها وتحديدا على الأصعدة التالية:
-
الروبل يشق طريقه للعودة إلى ما كان عليه قبل الغزو بعدما فقط نصف قيمته في الأيام الأولى للغزو.
-
العديد من قيادات أوروبا مثل ألمانيا وإيطاليا على وجه الخصوص بدأت بإعادة حساباتها، وتحديدا على صعيد تقنين الاستخدام.
حيث إن دولة عملاقة كألمانيا، بدأت بإعداد مواطنيها لمرحلة تقنين الاستخدام بشكل واضح تماما.
بل إن خططا، أمريكية أوروبية، يبدو أنها لن تكون كافية لإنقاذ الوضع الاقتصادي في أوروبا، وأهم هذه الخطط:
-
إعلان بايدن عن تحرير 180 مليون برميل من نفطه الاستراتيجي.
-
صفقة أمريكا مع الاتحاد لزيادة توريد الغاز المسال لها بمقدار 15 مليار متر مكعب حتى نهاية العام.
ما الذي يمتلكه بوتين سوى النفط ليستطيع التغلب على العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا ؟
يدرك الجميع أهمية ما يمتلكه بوتين من نفط وغاز، يمكنناه من تمكين جهوده الحربية، وزيادة قدرته على الصمود ضد العقوبات.
حيث تمثل صادرات النفط الروسية برميلا من كل 10 براميل يستهلكها العالم.
كما أنه ووفقا لبروجيل، وهو معهد اقتصادي في بروكسيل، فإن مشتريات الطاقة الأوروبية ترسل 850 مليون دولار لخزائن روسيا.
وهذه المبالغ، وفقا للمعهد، فإنها كفيلة بتمكين وتمتين موقف بوتين على صعيد جهوده الحربية وتحديه للعقوبات.
بينما ووفقا لتقديرات شركة أكسفورد اكونوميكس العالمية، فإن شركة غازبروم الروسية ضخت 9.3 مليار دولار في الاقتصاد الروسية لوحدها في شهر آذار فقط.
فيما أكدت أكسفورد، على أن العقوبات الاقتصادية أو المالية لن تكون ذات جدوى في ظل غياب العقوبات التجارية.
وهي العقوبات التي لن تستطيع الدول، وتحديدا الأوروبية، التفكير بها، خاصة في ظل حالة عدم توازن التي تؤدي إليها مخاوف انقطاع الغاز الروسي.
بل إن الخبراء أكدوا على أن وعود الدول الأوروبية بإنهاء الاعتماد على الغاز الروسي، هي أهداف مفرطة في الطموح.
فالانتقال إلى موردين آخرين، أو اللجوء إلى مصادر الطاقة المتجددة، سيكون مكلفا جدا ومؤلما للأهداف الحالية.
فيما ذهب البعض إلى الحديث عن القوة التي يمتلكها بوتين في تسيير أموره على خلاف ما يحدث في الاتحاد الأوروبي.
حيث قالت ميج جاكوبسن المؤرخة في جامعة برنستون:
“يمتلك بوتين ميزة لا يمتلكها القادة الأوروبيين الذين يضطرون للإذعان إلى الناخبين في النهاية، على خلاف القوة الأحادية لدى بوتين”.
فيما يعتقد معظم المحللين أن التحركات الأوروبية العدوانية لتقليل اعتمادها على الطاقة الروسية سيكون لها عواقب بعيدة المدى.
ولتفسير هذه العواقب، فإنه يكفي النظر إلى هيكل اقتصاد روسيا، الذي يعتمد بشكل أقل على الصناعة مقارنة بدول مثل ألمانيا وإيطاليا.
وهو ما يجعل من تصديرها للنفط أو الغاز أمر محوري، وميزة على صعيد قدرتها الانتاجية النفطية.
حيث أن الدول الكبرى المنتجة للنفط، بحاجة لاستيراد نفط أكبر مما تنتجه يوميا، وهو ما لا تحتاجه روسيا، التي تصدر أكثر من نصف ما تستهلكه.
أما على صعيد العقوبات التجارية التي يتم الإشارة إليها، فإن لروسيا حلفاء استراتجيين يستطيعون أن يكونوا بوابة مباشرة وليس بوابة خلفية.
أما عن العقوبات التي يمكن أن تقوم بها أمريكا في وجه من يساند روسيا والتي يتم التهديد بها بشكل كبير منذ اليوم الأول للغزو.
فإن فرضها بشكل فعلي سيزيد من عمق المشاكل الاقتصادية الأمريكية والأوروبية نفسها.
حيث أن الغرب الآن بحاجة إلى فرض هدوء واستقرار اقتصادي، كي تستطيع التعامل مع مؤشراتها الاقتصادية السيئة بشكل كبير.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية