رويترز: تمت مناقشة فكرة استقلال البنوك المركزية بالكامل من قبل الاقتصادي ميلتون فريدمان في عام 1962، وهي الفكرة التي تم رفضها على أساس أن الفيدرالي لن يكون قادرا على مواجهة الحكومة في حال حدوث صراع حقيقي.
وعلى الرغم من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يتمتع باستقلال تشغيلي منذ عام 1951، إلا أن التدخل الرئاسي ما زال مستمرا فيه.
وقد كان التدخل الرئاسي في أشد صوره في السبعينيات، حينما تعرض رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي آنذاك.
حيث قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بالضغط على آرثر بيرنز، لإبقاء السياسة سهلة من أجل مساعدة نيكسون في إعادة انتخابه.
إلا أن هذه الضغوط تسببت في تضخم مرتفع استمر عقدا من الزمان، وهو ما دفع الكثيرون إلى الحديث عن ضرورة استقلال البنوك المركزية .
حيث تعد فكرة استقلال البنوك المركزية واحدة من أكثر الأفكار الجدلية حول جدوى استقلال البنوك المركزية وفائدتها للجميع.
كما يتم الحديث عن فكرة حماية المسؤولين من البنوك المركزية من الضغوط التي يمكن أن يمارسها السياسيون.
وذلك أثناء القيام بآلية أو إجراء لحماية الاقتصاد من ظاهرة او مشكلة اقتصادية ما.
بينما ينظر البعض إلى البنوك المركزية على أنها المنقذ للحكومات والداعم لها عند التعرض إلى الأزمات.
حيث تدخلت البنوك المركزية لدعم الحكومات عندما تعرضت للأزمة المالية العالمية ثم جائحة فيروس كورونا.
ويعد بنك انجلترا واحدا من أحدث الأمثلة على ضرورة تحرير البنوك المركزية من التدخلات الحكومية.
وذلك بعدما وعدت ليز تروس، المرشحة الأولى لتصبح رئيسة وزراء بريطانيا المقبلة ، بمراجعة صلاحيات بنك إنجلترا.
بما في ذلك قدرته على تحرير أسعار الفائدة من تدخل الحكومة، وذلك بعدما قام المركزي البريطاني برفع الفائدة بأكبر قدر منذ عام 1995 يوم الخميس، بضغط من الحكومات.
كما يتعرض محافظو البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم لانتقادات من السياسيين لفشلهم في التنبؤ ومنع الموجة الحالية من التضخم المرتفع.
وهو الأمر الذي جعل من البنوك المركزية في موقف المرتبك في اتخاذ القرار الملائم، وذلك أنهم كانوا أدوات بأيد الحكومات وتحديدا أثناء انطلاق الأزمة الصحية.
وعلى الرغم من أن الفكرة العامة والقاعدة التقليدية، تبيح فكرة استناد الحكومات على البنوك المركزية في أثناء الاضطرابات.
إلاأن التدخل في كافة السياسات والاختيارات والقرارات، سيؤدي إلى إتخاذ قرارات تؤدي في النهاية إلى مشكلة اقتصادية أعمق.
وتُظهر البيانات أن البنوك المركزية التي كانت أكثر استقلالية، مثل تلك الخاصة بألمانيا والنمسا وسويسرا.
حيث حققت هذه البنوك معدل تضخم أقل بين عامي 1970 و 1999 من تلك التي تربطها علاقات أوثق بحكوماتها، على سبيل المثال في النرويج ونيوزيلندا وإسبانيا.
إلا أن المنتقدين لفكرة الاستقلال، يجدون أن قدرة البنوك المركزية على اتخاذ القرار الصائب، أصبحت اقل من ذي قبل، بسبب العولمة والعملة الموحدة التي تتجعل السياسة ركيزة أساسية في اتخاذ القرار الاقتصادي.
بينما قد لا تنطبق قاعدة التحكم الحكومي في البنك المركزي لتحقيق الصالح العام لدى دول أخرى.
حيث أنه ورغم خضوع المركزي الارجنتيني للحكومة، إلا أن الدول تعاني من تضخم مرتفع، وعملة منهارة، وأوضاع اقتصادية سيئة.
بينما وعلى الرغم من استقلال المركزي التركي بشكل كبير، إلا أن ذلك لم يمنع الرئيس التركي من إقالة أي محافظ لم يوافق على رغباته.
ولم يختلف الأمر لدى الولايات المتحدة وأوروبا، حيث يُتهم محافظو البنوك المركزية بشكل روتيني بتمويل الدول.
في النهاية، فإن مسألة استقلال البنوك المركزية ، قد تبدو فكرة نظرية أكثر منها فكرة واقعية، وذلك بسبب:
-
المصالح السياسية الدولية التي تتشابك مع المصالح التجارية، لتصنع قرارا قد يكون منطقيا من وجهة نظر مسؤولي البنوك المركزية.
-
الوضع الاقتصادي المعقد بظروفه المختلفة والمتنوعة بشكل كبير.
-
فكرة تحمل الحكومات للمسؤولية أمام الشعب في حال فشل سياسة اقتصادية ما، وهو ما يجعل التدخل الحكومي مبررا.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية