منذ أن انطلقت الحرب الروسية نهاية شهر شباط من العام الجاري، حتى كان النفط بمثابة أول المتأثرين، نظرا لما تمثله روسيا وأوكرانيا من أهمية قصوى سواء على صعيد حجم المعروض من النفط، أو على صعيد الأهمية الاستراتيجية للمنطقة التي ينتقل النفط عبرها، وفيما يلي سنعرض أربعة اسباب قد تقف وراء ارتفاع اسعار النفط عالميا .
النفط! الضحية الأولى للحرب، فماذا حدث معه حتى الآن؟
لقد استجابت أسعار النفط بشكل سريع لآثار الحرب حتى وصل إلى أعلى مستوى له في عشرة أعوام، حينما تجاوز مستويات 120 دولارا خلال شهر من انطلاق الحرب.
إلا أن الأسعار بدأت بالانخفاض بشكل تدريجي للعديد من الأسباب والتي كان أهمها:
-
تدخل الولايات المتحدة الأمريكية بضخ ملايين البراميل من مخزوناتها الاستراتيجية.
-
اللجوء إلى مصادر دولية أخرى لتأمين النفط الذي قامت روسيا بقطعه، أو قامت الدول الأوروبية بالإحجام عن طلبه.
-
تأقلم الأسواق مع مجريات الحرب بشكل تدريجي.
وقد تدرج النفط في الهبوط السعري منذ شهر يونيو من مستويات 123 دولار لبرميل خام برنت حتى وصل إلى أدنى مستوياته منتصف شهر آب الجاري.
حيث صلت اسعار النفط إلى مستويات لامست 90 دولارا أمريكيا، وهي المستويات التي كان عليها البرميل بداية هذا العام.
وقد عادت اسعار النفط إلى الارتفاع لتتجاوز مستويات 100 دولارا أمريكيا، بفعل العديد من الأمور.
والتي يتعلق أغلبها بمجريات الامدادات الروسية من النفط والتوترات السياسية والجيوسياسية في مختلف المناطق من حول العالم.
ارتفاع اسعار النفط عالميا : أربعة أسباب محتملة!
يشير الكثيرون إلى أن أسعار النفط ستكون تحت وطأة الانخفاض نظرا لخشية الأسواق من تسبب البنوك المركزية العالم في حدوث تباطؤ اقتصادي، أو ركود عام، بسبب قيامها برفع الفوائد لمستويات سريعة أثناء مكافحتها لمشكلة التضخم العالمي.
إلا أن هناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى قلب التوقعات رأسا على عقب، بحيث تؤدي إلى ثبات النفط عند مستوياته المرتفعة، أو حتى إمكانية ارتفاعه.
وفيما يلي بضع أهم هذه الأسباب:
أولا. استمرار مشاكل امدادات النفط الروسي:
ما زالت روسيا تلجؤ لاستخدام النفط كورقة ضاغطة على الغرب، وتحديدا للرد على العقوبات الاقتصادية المتلاحقة التي تؤدي إلى عزلة اقتصادية شبه تامة.
حيث تهدد روسيا بشكل دائم بقطع الامدادات النفطية عن بعض الأنابيب لأسباب وحجج مختلفة، مما يشكل تهديدا للقارة العجوز تحديدا.
بينما يشير بعض المسؤولين الرسميين إلى أن قدرة روسيا على الانتاج ستصطدم بالعقوبات الغربية إن آجلا أم عاجلا.
وهو ما أشار إليه رئيس وكالة الطاقة الدولية (IEA) حينما قال:
“إن انتاج روسيا من النفط الذي فاق التوقعات، فإنه سيجد صعوبة متزايدة في دعم الإنتاج مع بدء تأثير العقوبات الغربية”.
كما قال أيضا:
“إن الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية يمكنها الإفراج عن المزيد من النفط من احتياطيات النفط الاستراتيجية إذا وجدت ذلك ضروريًا عند انتهاء صلاحية المخطط الحالي”.
وتصريح رئيس الوكالة المتعلق بتحرير الاحتياطيات الاستراتيجية، سيؤدي إلى إرهاق المخزون خاصة مع اقتراب العالم من فصل الشتاء المتطلب.
بل إن قيام دولة مثل الولايات المتحدة بتحرير الكثير من مخزوناتها، ستؤدي إلى إرهاق احتياطياتها الاستراتيجية، مما سيشكل تهديدا وجوديا للنفط.
حيث قال استطلاع أولي لرويترز:
“إن مخزونات النفط الخام الأمريكية تراجعت على الأرجح 600 ألف برميل مع انخفاض نواتج التقطير ومخزونات البنزين”.
ثانيا. الاقتراب من فصل الشتاء المتطلب:
على الرغم من أن ألمانيا أعلنت عن اقترابها من تأمين كامل متطلباتها من النفط والغاز قبل فصل الشتاء، إلا أن ذلك لا يعني قدرة جميع الدول على القيام بذلك.
كما يقترب هذا الفصل في ظل مناخ مضطرب في مختلف أصقاع العالم، وتحديدا حالة الجفاف التي أصابت القارة العجوز بشكل غير متوقع.
إلا أن المتوقع بشكل كبير في فصل الشتاء بالنسبة للقارة العجوز، سيتمثل في أجواء برد قارس، وهو ما سيزيد من الطلب على النفط.
ثالثا. التضخم في ارتفاع شبه دائم:
على الرغم من قيام البنوك المركزية العالمية بمحاربة التضخم من خلال رفع أسعار الفوائد بشكل سريع وكبير، إلا أن التضخم ما زال كشبح جاثم طويل الأمد.
ويبدو ذلك من خلال العديد من الإشارات، أهمها تصريحات جيروم باول وتشاؤمه من قدرته في التعامل مع التضخم بشكل سريع.
كما يمكن ملاحظة التضخم الآخذ في الارتفاع في دول أوروبية، مثل انجلترا، رغم رفع الفوائد من قبل بنك انجلترا.
بل إن نقص الامدادات النفطية قد تغذي التضخم في أوروبا في ظل التهديد الروسي المستمر بقطع امداداتها وتوجيهها لدول أخرى مثل الهند والصين.
فيما قد يغذي الاقبال على الغاز الطبيعي في بعض المجالات ارتفاع أسعاره، مما سيقود التضخم في المنطقة الأوروبية نحو الارتفاع أيضا.
بل إن البعض يرى أن رفع اسعار الفوائد سيؤدي إلى رفع اسعار العديد من الأمور نظرا لارتفاع التكاليف التمويلية على الشركات بشكل خاص.
وهو الرأي الذي يقابله الرأي المتفائل الذي يجد بأن رفع اسعار الفوائد سيدفع العالم نحو ركود سيكون بمثابة سبب مباشر لتخفيض الطلب على النفط ومن ثم انخفاض أسعاره.
السبب الرابع. التوترات السياسية والجيوسياسية في مختلف الأماكن:
يمكن الإشارة إلى التوتر السياسي في العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة أوبك، كعامل داعم لارتفاع الأسعار.
وهو الأمر الذي يمكن إضافته للعديد من الملفات الشائكة والتوترات القائمة.
حيث أثارت السعودية ، أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ، الأسبوع الماضي إمكانية تخفيضات الإنتاج.
وفي النهاية، فإن اسعار النفط ستكون عرضة للعديد من الظروف والعوامل التي ستحدد مسارها، وأهمها
-
اجتماع أوبك + ، الذي سيضم أوبك وروسيا والمنتجون المتحالفون ، لتحديد السياسة في الخامس من سبتمبر.
-
المخزونات الاستراتيجية من النفط لدى كباريات الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
-
مسار الاتفاقيات الدولية التي يتم محاولة عقدها وتحديدا مع الجانب الإيراني.
-
شكل الاقتصاد العالمي ومدى الركود الذي يمكن أن تتسبب فيه البنوك المركزية العالمية.
-
تأثير استمرار الحرب الروسية والتوترات السياسية في المناطق الساخنة والحساسة بالنسبة للنفط وامداداته.
-
احتمالية أن تقوم الصين بفتح أبوابها وتنشيط اقتصادياتها، مما قد يزيد الطلب على النفط وبالتالي التسبب في ارتفاعه.