في الأسابيع التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، شرع كلاوديو ديسكالزي، الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الإيطالية العملاقة إيني، في زوبعة من الرحلات إلى موردي الغاز في إفريقيا، وذلك لمواجهة أزمة الطاقة في أوروبا التي تقترب شيئا فشيئا مع اقتراب الشتاء.
حيث تضمنت الزيارات اجتماعات مع مسؤولين في الجزائر وأنغولا ومصر وجمهورية الكونغو برفقة كبار المسؤولين في روما.
وقد تمكنت شركة إيني التي تسيطر عليها الدولة من الاستفادة من علاقات التوريد الحالية مع تلك الدول؛ لتأمين غاز إضافي لاستبدال جزء كبير من الكميات التي تلقتها من روسيا التي تعد أكبر موردي الغاز بالنسبة لها.
أزمة الغاز في أوروبا قد تخلق واقعا جديدا يدفع إيطاليا إلى القوة!
يبدو أن تحركات هذه الشركة ستعبر عن واقع جديد للقارة العجوز، خاصة لدولة مثل إيطاليا التي عانت لسنوات طويلة من الضعف الاقتصادي.
بينما وعلى الطرف الأخر النقيض، نجد تحولا مأساوياً لألمانيا التي لطالما اعتبرت القوة الاقتصادية الأقوى أوروبيا، وتحديدا منذ اتحادها في تسعينيات القرن الماضي.
حيث تعيش ألمانيا وقتا اقتصاديا عصيبا، خاصة وأنا على شفا الركود، بسبب الانقطاع عن الطاقة الروسية التي ستؤثر على مختلف صناعاتها.
وقال الكاتبين فرانشيسكا لانديني وكريستوف ستيتز، عبر موقع رويترز:
“لقد استفادت إيطاليا من الأزمات الاقتصادية التي مرت بها، لتصبح خبيرة في التعامل معها”.
حيث ووفقا لتحركات شركة إيني، يمكن ملاحظة مسارعتها في تأمين امدادات إضافية.
وهو ما سيعطي إيطاليا ميزة كبيرة، حيث ستكون إيطاليا غير محتاجة لترشيد الغاز، مثلما الحال في ألمانيا.
وقد قال ألبرتو كل، وزير الصناعة الإيطالي السابق وعضو مجلس إدارة سابق في شركة إيني:
“إن التقدير الذي يتمتع به رئيس شركة إيني في العديد من البلدان الإفريقية هو بالتأكيد ميزة تنافسية بالنسبة لباقي الدول الاوروبية”.
ليقصد الوزير ، مدى الصعوبة التي ستواجهها الدول الأوروبية في تأمين الامدادات أثناء الأزمة.
وعلى الرغم من أن روسيا تعدُ واحدة من أبرز موردي الغاز لإيطاليا، إلا أن الشركة الإيطالية تسعى بشكل كبير في الإحلال.
ويبدو أن إيطاليا تدرك مدى الضرر الذي سيلحق بأي طرف يعتمد على جانب واحد في التوريد.
حيث ترتفع حدة أزمة الطاقة الروسية في دول مثل ألمانيا والمجر والنمسا، وتخف في دول مثل فرنسا والسويد وبريطانيا.
كما وتمتلك إيطاليا ثلاث محطات للغاز الطبيعي المسال، وفي طريقها نحو شراء محطتين اخريين، على عكس الحال في ألمانيا.
وإذا نظرنا إلى الواقع الإيطالي، فإننا سنجد أنه يشبه الواقع الألماني في شيء، ويختلف عنه في نفس الشيء أيضا.
حيث استهلكت ايطاليا 29 مليار متر مكعب من الغاز الروسي العام الماضي، بنحو 40% من وارداتها، وهو ما يشبه الحال الألماني.
ولكن شركة إيني قالت إنها تحل تدريجيا محل حوالي 10.5 مليار متر مكعب من تلك الواردات من دول أخرى ابتداء من الشتاء.
وهو الأمر الذي لم تستطع ألمانيا القيام به بسهولة، وذلك نظرا، كما أشرنا، إلى علاقات ايطاليا بالدول الأخرى.
حيث ستأتي الإمدادات إلى إيطاليا على النحو الآتي:
-
الجزائر، التي ستصبح أكبر مورد لإيطاليا، وستزيد من اجمالي الشحنات إلى إيطاليا بنحو 20% إلى 25.2 مليار متر مكعب.
-
بينما سيأتي تدفق آخر العام القادم، من دول مصر وقطر والكونغو ونيجريا وأنغولا.
فيما يتحدث الآخرون عن مصدر ضعف أخرى بالنسبة لألمانيا، وذلك على الأصعدة الآتية:
-
لا تتمتع ألمانيا بقرب إيطاليا من شمال إفريقيا.
-
لا تتمتع ألمانيا بثروات بريطانيا وبحر الشمال في النرويج.
-
ليس لديها احتياطيات نفط أو غاز كبيرة.
ويلاحظ أن شركة مساعي شركة إيني لم تكن وليدة اللحظة، بل تعود إلى عام 2006، حينما بدأت بتنويع مصادرها.
لتحقق الشركة نجاحا كبيرا في مصر عام 2015، حينما اكتشفت أكبر حقل غاز ظهر في البحر الأبيض المتوسط.
بينما تعود جذور الشركة في الجزائر لعام 1981، لتبرم الشركة عام 2019 صفقة لتجديد واردات الغاز حتى عام 2027.
مجدي النوري
مُدون وصانع محتوى اقتصادي، عمل في مجال الدراسات في إحدى أهم المؤسسات الاقتصادية في فلسطين، وقام بكتابة العديد من المقالات والأبحاث الاقتصادية، لديه العديد من الشهادات والدورات الاقتصادية لدى العديد من الجهات المحلية والدولية